الأبعاد الاستراتيجية لطوفان الأقصى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأبعاد الاستراتيجية لطوفان الأقصى

نشر فى : الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 10:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 18 أكتوبر 2023 - 10:00 م
نشرت جريدة الشروق الجزائرية مقالا للكاتب ناصر حمدادوش، تناول فيه أربعة أبعاد استراتيجية لعملية «طوفان الأقصى» وهى؛ كسر هيبة إسرائيل أمام العالم، وإفشال مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وتثبيت خيار المقاومة وتوحيد صفوفها، وأخيرا أسر المقاومة عددا من الإسرائيليين بهدف تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال... نعرض من المقال ما يلى.
يجمع المراقبون والمحللون على أن جولة المواجهة الجديدة بين المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة المقاومة الإسلامية ــ حماس والكيان الصهيونى تختلف تماما عن باقى المواجهات والجولات الساخنة فى هذا الصراع الوجودى، وهو الحدث الاستراتيجى الأضخم وغير المسبوق على أرض فلسطين التاريخية منذ 75 سنة، إذ تمت السيطرة على 20 مستوطنة، و11 موقعا عسكريا، فى ظرف قياسى وجيز، وهو ما يضفى عليه أبعادا إستراتيجية مهمة، إذ سيكون عنوانا بارزا ومعْلما واضحا فى معركة التحرير الكبرى، فقد لامس فى جوهره المخاطر الوجودية لمستقبل الكيان الصهيونى، وهو ما يفسر هذا التدخل الغربى السريع وبشكل قوى ومباشر، وعلى رأسهم الحلف الصليبى المتصهين: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.
• • •
الظاهر، أن الإعداد لهذه المواجهة كان على قدْر عال جدا من التخطيط والدقة والاحترافية، وقد تميز بسلسلة من المفاجآت المدوية فى عالم المواجهات العسكرية.
ــ من حيث التوقيت: مارست «حماس» خداعا استراتيجيا كبيرا منذ مدة، كما كانت كتائب القسام منشغلة بالاستعداد الكامل والجهوزية التامة للهجوم والدفاع معا، رغم معرفة السلوك الهمجى لرد الفعل الصهيونى الفاشى؛ فقد كان التوقيت فى غاية الدقة والحكمة، إذ تزامنت هذه المواجهة الخاطفة بيوم السبت، عطلة الكيان الصهيونى، واختتام مناسبة الأعياد الدينية له، بعد ذروة الغرور الصهيونى باعتداءاته المتكررة على المسجد الأقصى المبارك، وهو الذى كاد أن يحْكم قبضته بالتهويد النهائى له، فأتاه هذا الهجوم من حيث لا يحتسب، وأصيب بأكبر نكبة وإهانة فى تاريخه.
ــ الصدمة بالفشل الاستخباراتى والانهيار العسكرى: فى الوقت الذى تم التسويق للصورة الخرافية للجيش الذى لا يقهر، وجهاز الاستخبارات الأسطورى الذى لا يهزم، تتمكن المقاومة من القيام بهذا الهجوم الضخم، برا وبحرا وجوا، من دون أن يثير أدنى انتباه لكل استخبارات العالم، وهو ما يؤكد التفوق الاستخباراتى للمقاومة.
ــ الحصيلة الثقيلة فى الوقت القياسى: إذ استطاعت المقاومة، وفى زمن قياسى قصير، تعطيل الرادارات، وقطع الاتصالات، واختراق الحواجز، وتدمير الحصون، والسيطرة على 7 مستوطنات و11 موقعا عسكريا فى غلاف غزة، وكانت الحصيلة من حيث عدد القتلى فى صفوف الجيش الصهيونى والشرطة الإسرائيلية وقطعان المستوطنين ثقيلة جدا، تتجاوز إلى حد الآن 1500 قتيل، وعدد الجرحى يتجاوز 3500، وهو ما لم يذق العدو الصهيونى مرارته منذ قيام هذا الكيان سنة 1948، وكانت الغلة فى عدد الأسرى ــ كما ونوعا ــ ما لم يحدث فى تاريخ هذا الصراع، إذ يعترف العدو إلى حد الآن بأكثر من 120 أسيرا، وكان عدد المفقودين فى صفوف العدو الصهيونى ما أربك دقة معلوماته، إذ تشير اعترافات إلى 800 مفقود.
وبغض النظر عن نتائج هذه المواجهة ومآلاتها من حيث عدد الضحايا من الجانبين، فإن ذلك ليس معيارا فى قياس نتائج الربح والخسارة، إذْ مهما بلغت حصيلة الشهداء، والتدمير فى عالم المادة والأشياء فهى رخيصة من أجل تحرير المسجد الأقصى المبارك، وهو ثمن طبيعى فى طريق حرية الأمم واستقلال البلدان وتقرير مصير الشعوب، وهو ما تشهد له تجارب الدول جميعا، مهما كانت دياناتها وثقافاتها. ولذلك فإننا معنيون بهذا التراكم الاستراتيجى للفعل المقاوم، والذى يقربنا أكثر من المعركة الفاصلة والشاملة.
من الأبعاد الإستراتيجية لهذه المواجهة:
1ــ إسقاط هيبة هذا الكيان الصهيونى عالميا: فبالرغم من حجم نفوذه فى الدول الغربية، واختراقه للدول العربية، والعلو الكبير الذى لم يصل إلى مثله فى التاريخ اليهودى، وبالرغم من حجم الترسانة النووية والعسكرية والاستخباراتية والتقنية والتكنولوجية واللوجيستية، وبالرغم من قسوة الحصار المضروب على قطاع غزة منذ 16 سنة، برا وبحرا وجوا، فقد استطاعت المقاومة ــ وبإمكانات ذاتية متواضعة ــ أن تسقط هذه الأسطورة، وتبدد هذا الوهْم، وتزعزع الثقة فى هذه الخرافة، وهى الصورة التى يصعب على هذا الكيان ترميمها، مهما بالغ فى همجيته وإجرامه وإمعانه فى رد الفعل. والفرق بين الضرر والأذى، أن الأذى مؤقت وظرفى، ولن يدوم، وأن العاقبة فى القانون العام: «ثم لا ينصرون»، فستضيف هذه المعركة رصيدا هائلا من المعنويات واليقين فى زوال إسرائيل، بل قد قربت تحقق هذه الحتمية، وجعلتها حقيقة ماثلة للعيان، وبالمقابل فإنها زرعت شكا عميقا وتضعضعا كبيرا فى جدار سردية الحق اليهودى فى فلسطين، إذْ لا مستقبل لهم تحت الشمس.
2ــ النتائج العكسية لمخططات تصفية القضية: ستترك عملية «طوفان الأقصى» آثارا عميقة فى الوجدان الصهيونى، وفى جدوى قيام هذه الكيان، وهد مقومات بقائه، ومدى قدرته على الحفاظ على مكتسباته، فهى ستتسبب فى هجرة عكسية للإسرائيليين، وفى اهتزاز العقيدة العسكرية لدى الصهاينة، وستضرب هذا الكيان فى عمق إستراتيجيته للتمدد فى الأرض الفلسطينية بالاستيطان، والتغول بالتطبيع فى المنطقة العربية، وستتراجع أهميته الإستراتيجية لدى الدول الغربية، مهما أبدت مساندته الاضطرارية، إذْ سيكون عبئا ثقيلا عليهم فى المستقبل.
وقد نشرت صحيفة «هاآرتس» مقالا للكاتب «آرى شبيت»، تحت عنوان: «إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة»، قال فيه: «يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم، وإنهاء الاحتلال..»، وأضاف: «يبدو أننا اجْتزْنا نقطة اللا عودة، وأنه لم يعد بإمكان «إسرائيل» إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام».
3ــ الدلالات العميقة لتثبيت خيار المقاومة وتوحيد ساحاتها: فقد كان عنوان هذه المواجهات الأخيرة: «سيف القدس» سنة 2021، و«طوفان الأقصى» سنة 2023 إيذانا بالدخول فى مرحلة جديدة من الصراع، وهى تجسيد لشعار: «اليوم نغزوهم، ولا يغزوننا»، مما أعطى زمام المبادرة وقرار الحرب والسلم للمقاومة، وتعمقت مبرراته بالبعد العقائدى وحمولته الجاذبة، فهو مهوى أفئدة المسلمين جميعا فى العالم، بسبب الاعتداءات الهمجية والمتكررة على القدس والأقصى، وهو العنوان المركزى الجامع للأمة، كما توسعت دائرة الفعل المقاوم، لتشمل التوغل فى العمق الصهيونى فى المستوطنات والضفة وأرض 48، بما يعجل بالحرب الإقليمية التى تنسف إسرائيل من جذورها.
4ــ استراتيجية المقاومة مع الأسرى: فهو ملف يقع ضمن سلم أولوياتها، وهو من العناوين الكبرى لهذه المواجهة، وملف إنسانى لأكثر من 5 آلاف أسير ينتظرون معجزة لتحريرهم، فإنهم ليسوا مجرد أرقام فى السجلات الصهيونية، ما يفرض على الاحتلال دفع الثمن لحسابهم، وهو ما تحقق بأكثر مما هو متوقع فى هذه المعركة، فحسب الاعترافات الرسمية للكيان الصهيونى إلى حد الآن فإن هناك 120 أسيرا بيد المقاومة، وهو رقم صغير أمام الحقيقة، ولكنه كبير جدا فى ميزان الصراع، ويكفى لتبييض كل سجون الاحتلال.
فى الوقت الذى يسعى العدو إلى تهجير سكان غزة إلى «سيناء» عبر ما يسمى «الممرات الإنسانية الآمنة»، فى محاولة يائسة لكشف ظهر المقاومة، وتفريغ الحاضنة الشعبية لها، والاستفراد بها، والتمهيد لسياسة الأرض المحروقة، وتصفيتها وجوديا، فإن المقاومة تتبع استراتيجية معاكسة، بالتركيز على قصف مستوطنات بعينها بآلاف الصواريخ، والتغطية على عمليات تسلل المجاهدين إليها، وتهجير المستوطنين منها، والتمهيد لتحريرها نهائيا، ولن يتجرأ أى صهيونى على العودة إلى ذلك الجحيم، بعد أن عجزت المنظومة العسكرية والأمنية الصهيونية عن حمايتهم، فكثير من المستوطنين قالوا فى تصريحات لوسائل الإعلام الصهيونية بعد اليوم الأسود فى تاريخهم (07 أكتوبر 2023) إنهم لن يعودوا إلى تلك المستوطنات مرة أخرى، بل إنهم يفكرون جديا فى الهجرة من إسرائيل أصلا، بسبب فقدان الشعور بالأمان فيها.
لقد سطرت معركة «طوفان الأقصى» ــ وعلى المدى البعيد ــ آيات الفخر والاعتزاز، بأنه لا يعلو صوت فوق صوت المقاومة، وأنه لا يمكن تمرير مشاريع التهويد والتسوية إلا على جثتها، فصمت آذان الدنيا إن لم تسمع كلمتها، وأنه لن يفرض حل إلا وفق شروطها، وأنها ضمير الأمة نحو التحرير والتمكين والشهود الحضارى.

النص الأصلى
التعليقات