بإمكان البعض انتقاد زعيم حماس يحيى السنوار كيفما شاء، بل واتهامه بالإقدام على مغامرة غير محسوبة العواقب، وأنه أراد دخول التاريخ فخرج من الجغرافيا، لكن «لقطة النهاية» لهذا الرجل، توجب على الجميع الاعتراف بشجاعته، حيث استشهد فوق الأرض ممسكا سلاحه مرتديا بزته العسكرية مثل أى مقاوم فى الميدان، ولم يعثر عليه مختبئا فى الأنفاق أو محتميا برهائن «الطوفان».
كذلك بإمكان إسرائيل الابتهاج كثيرا، بعد تمكنها من تصفية السنوار الذى شكل لها صداعا خلال العام المنصرم، مثلما ابتهجت ورقصت فرحا عندما اغتالت حسن نصرالله، أمين عام حزب الله اللبنانى، لكن هل تستطيع دولة الاحتلا ل الادعاء بأنها قضت تماما وإلى الأبد على فكرة وحركة وعمل المقاومة وأنها أصبحت أكثر أمنا برحيل هؤلاء المقاومين؟
الشىء المؤكد الذى يدركه الجميع ومن بينهم الكيان الصهيونى أن كافة حركات التحرر والمقاومة، قد تتأثر جزئيا جراء اغتيال قادتها السياسية والعسكرية، لكنها سرعان ما تتعافى وتعود إلى ممارسة حقها الشرعى فى مقاومة المحتل كما كانت تفعل من قبل، بل وفى بعض الأحيان تكون عودتها مع قيادتها الجديدة، أكثر قوة وبأسا وحزما عما كانت عليه فى السابق.
فحركة حماس منذ تأسيسها فى شهر ديسمبر من عام 1987، تعرضت لاختبارات شديدة وضربات قاسية للغاية، وفقدت الكثير من قياداتها السياسية والعسكرية فى داخل فلسطين وخارجها، جراء عمليات الاغتيال الإسرائيلية، والتى طالت مؤسسها الشيخ أحمد ياسين ورئيس مكتبها السياسى إسماعيل هنية ونائبه صالح العارورى، وعبد العزيز الرنتيسى وسعيد صيام وإبراهيم المقادمة ونزار ريان وصلاح شحادة وغيرهم ممن لعبوا دورا مهما فى تاريخ الحركة، وصولا إلى يحيى السنوار، مهندس هجوم «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر من العام الماضى، الذى يعد أكبر وأخطر وأهم هجوم لفصائل المقاومة على الدولة العبرية منذ تأسيسيها على الأرض الفلسطينية منتصف القرن الماضى.
عندما غاب هؤلاء القادة عن المشهد، توقع الكثيرون اختفاء الحركة وتفككها، لكنها كانت تعود من جديد بعد تسكين الأماكن الشاغرة وملء الفراغات فى هرمها القيادى، وهو ما سيحدث مجددا إثر رحيل السنوار، لكنها هذه المرة ستحتاج إلى وقت أطول للتعافى، نظرا لحجم الضرر الذى لحق بها خلال العدوان الصهيونى المتواصل منذ أكثر من عام، والذى أدى أيضا إلى تدمير معظم المبانى والمرافق فى القطاع، وجعل الحياة فيه شبه مستحيلة.
نجاح الكيان الصهيونى فى تصفية السنوار سيفتح شهيته بالتأكيد فى مواصلة العدوان على قطاع غزة، وتنفيذ «خطة الجنرالات» التى أعدها قادة سابقون فى جيش الاحتلا ل، وتتضمن إخلاء شمال القطاع من سكانه نحو جنوب وادى غزة، واعتبار أى مدنى يختار البقاء فى الشمال مقاتلًا، ومنع الماء والطعام والدواء على من يرفض المغادرة، وهو ما يحدث حاليا فى جباليا، وذلك بهدف فرض سيطرة طويلة الأمد على شمال غزة وتقسيمها إلى منطقتين.
برنامج الأغذية العالمى حذر من خطورة مثل هذه الخطة على الوضع الإنسانى فى شمال القطاع، قائلا إن «تصاعد العنف فى شمال غزة له تأثير كارثى على الأمن الغذائى»، مشيرا إلى أنه «لم تدخل أى مساعدات غذائية إلى الشمال منذ الأول من أكتوبر». وتابع أنه «من غير الواضح إلى متى ستستمر الإمدادات الغذائية المتبقية لبرنامج الأغذية العالمى فى الشمال، والتى تم توزيعها بالفعل على الملاجئ والمرافق الصحية».
لا شك أن تنفيذ «خطة الجنرالات» غير الإنسانية، بالتوازى مع تكثيف عمليات القتل والتدمير الممنهج لكل مظاهر الحياة فى القطاع المحاصر، سيفتح الباب أمام سيناريوهات خطرة للغاية على مستقبل القضية الفلسطينية، أهمها تنفيذ مخطط التهجير إلى دول الجوار، وتوسيع رقعة الصراع فى المنطقة، ومن ثم يجب على الدول العربية الانتباه جيدا إلى هذا الأمر، والعمل على دعم صمود الفلسطينيين بكل الطرق والوسائل الممكنة، وعدم تركهم فريسة للعدو الصهيونى ومن يدعمه دوليا، والإصرار على مساندة حقهم فى البقاء على أرضهم، ومساعدتهم على إجهاض أى مشاريع للتهجير من وطنهم، وعدم الاكتفاء بالإدانة والشجب والتنديد كما هى العادة دائما.