الأوليغارشية الترامبية - مواقع عربية - بوابة الشروق
الإثنين 19 مايو 2025 10:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الأوليغارشية الترامبية

نشر فى : الإثنين 19 مايو 2025 - 6:35 م | آخر تحديث : الإثنين 19 مايو 2025 - 6:35 م

 لم يحدث أن جرت تطورات سريعة وعاصفة فى العلاقات الدولية على نحو ما يجرى اليوم وفى ظلّ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لا سيّما بصعود الأوليغارشية الجديدة، فما أن وصل مجددًا إلى سدة الحكم، باشر بطائفة من الإجراءات الداخلية والخارجية التى من شأنها إحداث تغيير جوهرى فى العلاقات الدولية وقواعد السلوك الدولى.

 

الأوليغارشية تعود فى أصلها إلى اللغة اليونانية (أوليغارخيا)، وتعنى «حكم الأقلية»، حيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة نافذة تمتلك المال والقوة.

وكان أفلاطون فى كتابه الجمهورية أول من سلّط الضوء على ثلاثة أنواع من الأنظمة، وهى: المثالية، الديمقراطية، الأوليغارشية، وهذه الأخيرة لا تحترم القوانين، وحسب أرسطو فإن الأوليغارشية غالبًا ما تنتهى إلى حكم الطغيان، بتشبثها بالسلطة، والأوليغارشية بقدر ما هى حاكمة فى بلد، فإن طموحها أحيانًا يتجاوز ذلك ليمتدّ إلى العلاقات الدولية، كما هى الأوليغارشية الأمريكية اليوم تُعتبر عابرة للأوطان، وتسعى للهيمنة على العالم.

واتّخذت البنية الدولية منحى جديدًا بعد الحرب العالمية الثانية، قائمة على القطبية الثنائية بين المعسكرين الرأسمالى بقيادة الولايات المتحدة والاشتراكى بقيادة الاتحاد السوفييتى، واستمرّ الوضع بتقاسم النفوذ ضمن حدود أقرب إلى الاتفاق بين العملاقين، مع بقاء الصراع الأيديولوجى على أشدّه وحروب بالوكالة خارج المناطق المتفق عليها، بحيث تكون هناك توافقات لرسم شكل الصراع وخريطته تقريبًا، ولا يمكن لأحد القطبين تجاوز حدوده ووضع اليد على ما يهدد مصالح الطرف الآخر.

الصين قوة عالمية

ساد منذ أواخر الثمانينيات، وبعد انهيار جدار برلين فى 9 نوفمبر 1989 وحتى العقد الأول من الألفية الثالثة، نظام أحادى القطبية، بعد انهيار الكتلة الاشتراكية وانتهاء عهد الحرب الباردة وتحوّل الصراع الأيديولوجى من شكل إلى شكل آخر، خصوصًا فى مواجهة ما أُطلق عليه الإسلام السياسى والقوى المتعصّبة والمتطرّفة التى اتّخذت منه عنوانًا فى مواجهة الغرب والقوى الإمبريالية. لكن هذا النظام الجديد فى العلاقات الدولية لم يعمّر طويلًا، وكان الإيذان الأول على تصدّعه وتخلخل أساساته بعد احتلال العراق فى العام 2003 واضطرار الولايات المتحدة إلى الانسحاب منه فى نهاية العام 2011. وإذا كان النظام الدولى الجديد قد أخذ يترنّح، خصوصًا بصعود التنين الصينى والتقدّم الاقتصادى الكبير الذى أحرزته بكين، بحيث أصبحت الصين قوّة عالمية كبرى، ومن ثمّ معافاة الدب الروسى، إلّا أن ذلك لم يخلق نظامًا جديدًا، مع أن بعض ملامحه أخذت تظهر، لكن هيمنة الولايات المتحدة وتحكّمها بالقرار الدولى بقيت مسيطرة فى ظلّ البيئة الدولية التى ما تزال لصالحها بالرغم من تراجع نفوذها.

نظام يحتضر وآخر لم يولد

النظام الذى تأسس فى أعقاب انتهاء عهد الحرب الباردة لم ينتهى حتى الآن والجديد لم يولد بعد، مع أن بوادر قيام نظام متعدد الأقطاب هو قيد التشكّل، حتى وإن بقيت الولايات المتحدة تمثّل القوّة الاستراتيجية العالمية، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، إلّا أن واشنطن تضطر أن تعترف بوجود قوى دولية وإقليمية لا يمكن إغفال مواقعها، مع أنها تريد أن تبقى متفوقة عليها وهذه الأخيرة تعترف بذلك وتقرّ به، وهكذا يمكن اقتسام مناطق النفوذ للدول المؤثرة ووفقًا لتوازنات القوى لكل حالة ووضعيّة شريطة أن تبقى اليد الطولى لواشنطن.

أمريكا أولًا

لقد رفع ترامب شعار «أمريكا أولًا»، وهو الذى جسّد طموح الأوليغارشية الجديدة بالنظر إلى المصالح الأنانية الضيقة، وعمل على تفكيك الدولة العميقة، وإقامة نظام أمنى شديد الصرامة، وعدم وضع ضوابط على شركات التكنولوجيا الكبرى، لا سيما القائمة على منظومات الذكاء الاصطناعى. وذلك تجاوزًا على النظام الليبرالى الذى كان قائمًا، والذى حقق فى السابق منجزات ترتبت عليه فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهكذا اتّحدت مصالح الأوليغارشية مع مصالح كبريات الشركات، بعد أن أدركت الأخيرة أن الليبرالية لم تعد تلبّى طموحاتها، الأمر الذى أصبحت أكثر تماهيًا مع التوجّه الشعبوى اليمينى، وهكذا أقيم تحالف جديد أساسه أصحاب الذكاء الاصطناعى ورأس المال العقارى، لدرجة باتت الشعبوية المنفلتة من عقالها تمثّل تجاوزًا على ما تحقق من منجزات فى السابق.

لم يكتف ترامب بذلك، بل أعلن عن رغبته فى وضع اليد على قناة بنما، وأن تتاح له السيطرة على جزيرة جرينلاند، وانتزاعها من يد الدنمارك، علمًا بأنها غنية بالموارد الطبيعية، وضم كندا لتصبح ولاية أمريكية، ومطالبة أوكرانيا الممتحنة بالحرب منذ فبراير 2022 بتعويض ما قدمته لها من مساعدات، وارتهان مواردها الطبيعية ومقاسمتها مع الولايات المتحدة لتسديد ما فى ذمتها.

لعلّ كل تلك التدابير والإجراءات التى اتخذتها إدارة ترامب تؤدى إلى تقويض أساس العلاقات الدولية القائمة، بما فيها نظام التجارة الحرّة. وتعتقد الأوليغارشية الترامبية أن من شأن هذه التوجهات التهيئة لعقد صفقات دولية تضمن للولايات المتحدة استمرار تفوقها، وهو ما حصل مع روسيا، حيث تخلّت واشنطن عن كييف، وسمحت حتى الآن بإمكانية تمدد الحلم الروسى بتحجيم أوكرانيا وضم بعض المناطق التى احتلّتها إليها، مقابل التخلى عن دمشق، الأمر الذى أدّى إلى انهيار السلطة وفرار الرئيس بشار الأسد.

ومثل هذا الأمر قد يترشّح فى العلاقة مع الصين بالاعتراف بمطالبها بخصوص تايوان، وربما نشهد ضمها إلى البر الصينى، حيث تسعى بكين باستعادتها كجزء لا يتجزأ منها، وهكذا يمكن أن يتخلى ترامب بموجب المعلن من سياسته عن حلف شمالى الأطلسى وحماية دول أوروبا الغربية، وعن المسئولية فى حماية كوريا الجنوبية واليابان، والابتعاد عن قيم ما سمى بالعالم الحر والتبشير بحقوق الإنسان والديمقراطية والحريّات. وهكذا ينشأ التعارض بين مصالح القوى الشعبوية الأوروبية بين مصالح الأوليغارشية الأمريكية، التى تريد إخضاع الأولى إليها.

أمّا انعكاسات سياسات ترامب الأوليغارشة على منطقتنا فهى تتوافق مع الفاشية الإسرائيلية التى تريد فرض الهيمنة على دول المنطقة، ابتداءً من نزع سلاح سوريا بالقصف غير المعهود عليها لفرض منطقة نفوذ فى الجنوب السورى، وذلك لمواجهة النفوذ التركى فى الشمال السورى، إضافة إلى العدوان المستمر على جنوب لبنان وعدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار بحجة نزع سلاح حزب الله.

الولايات المتحدة بقيادة الطغمة الأوليغارشية ومعها حليفتها إسرائيل تريد التحكّم بمن يدير غزّة ومن يقود السلطة الفلسطينية ومن يحكم العراق وسوريا ولبنان واليمن ومن يبقى فى السلطة ومن يخرج منها، كما تريد ضمانات لحماية ما يسمّى «أمن إسرائيل» التى سيكون لها اليد العليا، المتفوقة اقتصاديًا وعلميًا وتكنولوجيًا وعسكريًا فى المنطقة، التى ينبغى تحويلها إلى «أقليات» عرقية وإثنية ودينية وطائفية، أقرب إلى كانتونات وليست دولًا قوية وراسخة، بل كيانات متقاتلة ومحتربة بين بعضها البعض، وتكون «إسرائيل» الأقلية الأكثر نفوذًا بينها حسب خطة برنارد لويس منذ عام 1979، والتى صادق عليها الكونجرس فى جلسة سرية عام 1983.

 

عبدالحسين شعبان

موقع 180

النص الأصلى:

 

https://tinyurl.com/22ze8t4s

 

 

التعليقات