من المحزن أن تجد مجموعة تحمل الجنسية المصرية وتنتظر بفارغ الصبر أن تتعثر المفاوضات مع إثيوبيا بشأن سد النهضة، نكاية فى خلافهم مع الحكومة والنظام السياسى فى مصر.
بين الحين والآخر أقرأ كلمات وعبارات ومقالات وتعلقيات لهؤلاء تقطر سما زعافا وحقدا وغلا على بلدهم.
أفهم وأتفهم وأحترم معارضة أى مصرى لحكومته ولنظامه ولرئيسه، طالما أنها خلافات واجتهادات فى رأى أو فكرة أو سياسة، لكن لا أفهم بالمرة أن يتمنى شخص أن تنتصر إثيوبيا فى المفاوضات الصعبة والشاقة والمتعثرة والتى أعلنت مصر مساء الأربعاء الماضى أنها لم تحقق أى تقدم.
ما يقوله ويكتبه هؤلاء فى الأسابيع الأخيرة جعلنى أتوصل لقناعة راسخة خلاصتها أنه لا أمل فى إقناعهم بأى شىء منطقى.
هؤلاء ليسوا نبتا شيطانيا. نتذكر ما قاله الراحل الشيخ محمد متولى الشعراوى بعد هزيمة مصر أمام إسرائيل فى ٥ يونيو ١٩٦٧ وهو: «لقد سجدت لله شكرا أن مصر انهزمت، لأنها لو انتصرت فكان ذلك سيعنى انتصارا للفكر الشيوعى الذى كان يحكمها».
العبارة والفكرة كارثية تماما وتحفل بالأخطاء والخطايا، لكن يحسب للشيخ الشعراوى رحمه الله، أنه تراجع عن موقفه، واعتذر عما قاله، بل وزار قبر جمال عبدالناصر حتى يحسم الجدل بعد أن كشف أن عبدالناصر زاره فى المنام أو الحلم وكان يلبس أبيض فى أبيض.
مرة أخرى أحترم أى شخص يعارض أو يختلف مع الملك فاروق أو عبدالناصر أو السادات أو مبارك أو السيسى أو أى سياسى أو حزب أو تنظيم أو فكرة، لكن لا يخلط بين هؤلاء وبين معارضة الوطن نفسه.
أى حاكم قد يخطئ، وقد يصيب، وهناك فرق كبير بين الحكومة والدولة والإدارة والشعب، الحكومة والإدارة متغيرة، والدولة باقية وهى تشملنا جميعا حكاما ومحكومين، مؤيدين ومعارضين.
إذا لا قدر الله تعثرت المفاوضات تماما، وتمكنت إثيوبيا من فرض وجهة نظرها، فإن الخسارة لن تكون فقط للحكومة والنظام، بل لنا جميعا. إذا انخفضت حصتنا من المياه فإن الذى سيدفع الثمن ليس الحكومة فقط، بل نحن جميعا، نحن من سنعطش وتبور زراعاتنا وتتعطل معظم مناحى حياتنا، بل إن وجودنا نفسه سيكون مهددا.
أفهم تماما وأحترم حق كثير من المصريين الذين ينتقدون طريقة التفاوض مع إثيوبيا طوال السنوات الماضية. هم يرون ــ وأشاركهم الرأى ــ بأنه كان ينبغى علينا أن نفطن مبكرا إلى اللعبة الإثيوبية الماكرة فى استهلاك وتضييع الوقت ليفرضوا علينا أمرا واقعا. هذا حق مطلق لأى مصرى أن يختلف أو ينتقد، لكن ليس من حقه بالمرة أن يخلط بين هذا الخلاف فى الرأى، وبين تمنى هزيمة بلده فى هذه المفاوضات، لمجرد أنه يعارض الحكومة فى هذه القضية أو تلك، أو حتى فى كل القضايا.
ما لا يدركه هؤلاء الذين ينتظرون بفارغ الصبر أن يشمتوا فى بلدهم، أن التاريخ لن يرحمهم على هذا التفكير المريض، وهذا التربص الذى يقترب كثيرا من جريمة الخيانة العظمى.
فى مثل تلك اللحظات العصيبة يفترض أننا جميعا على قلب رجل واحد خلف المفاوض المصرى، الذى يحاول تحقيق أفضل النتائج فى إطار الظروف الكثيرة الصعبة والمعقدة. مرة أخرى لا مانع إطلاقا بل من هو من طبائع الاشياء، أن نختلف على الأساليب والأدوات والطرق، طالما أن هدفنا واحد فى النهاية، وهو الحفاظ على الحقوق المائية لمصر، وتحقيق أفضل نتيجة، والقبول بأقل ضرر يمكن تحمله. باعتبار أن أى نتيجة تفاوض، سوف تتضمن بعض الأضرار لكل الأطراف، ويستحيل تصور أن يحصل طرف واحد على كل المزايا والآخر على كل العيوب.
على الشامتين أن يدركوا خطورة ما يفعلون، ويدركوا أن التاريخ لم يرحم من ارتكب نفس جريمتهم مهما كانت مكانتهم.
اختلفوا كما تشاءون مع الحكومة فى طريقة معالجة قضية سد النهضة، أو أى قضية أخرى، لكن لا تشمتوا فى بلدكم.