قبل أسبوعين، حضرت حفل زفاف أحد زملائى بـ«الشروق» فى قاعة أفراح بشارع البحر الأعظم بالجيزة. وفى طريق عودتى ليلا قررت أن أسير على قدمى حتى شارع قصر العينى، لتعويض الاضرار الناتجة عن الجلوس الطويل على المكتب!
حينما سرت على كوبرى عباس الواصل ما بين الجيزة عند مستشفى الرمد، وحى المنيل بالقاهرة، اكتشفت أن مجموعة من الباعة الجائلين قد استولوا على رصيفى الكوبرى، وحولوهما إلى مقاهٍ مفتوحة.
المحتلون قسموا رصيف الكوبرى إلى أربعة أجزاء، لكل جزء بائع يقدم الشاى أو المثلجات أو الترمس والسندوتشات الخفيفة. هذا المقهى الافتراضى لا يحتاج إلا لبضعة كراسٍ بلاستيك وثمن المشروب لا يقل عن خمسة جنيهات. لا ألوم الزبائن فهم يبحثون عن متعة سريعة وغير مكلفة، وبعضهم يبحث عن «نسمة من الهواء المنعش»، وغالبيتهم لا يملكون ثمن الجلوس فى كافتيريا معقولة.
السؤال البديهى هل هؤلاء الباعة الذين احتلوا الكوبرى يعملون بصورة قانونية، وحصلوا على ترخيص من المحافظة والأجهزة المحلية، باعتبار أن الكوبرى يربط القاهرة بالجيزة؟!
طبعا السؤال الأكثر منطقية هو: وهل يجوز أساسا السماح بممارسة أى نشاط خدمى فوق رصيف كوبرى مخصص لعبور المشاة؟! وهل صحيح أن بعض موظفى المحليات وغيرهم من ضعاف الضمير، يحصلون على نسبة ثابتة من أصحاب هذه الأنشطة غير القانونية؟!
تركت كوبرى عباس، واتجهت يسارا سيرا على الأقدام أيضا إلى كورنيش النيل فى شارع عبدالعزيز آل سعود، والممتد حتى أول المنيل أو كوبرى الجامعة ومسجد صلاح الدين. فى الطريق وجدت أن المشهد متكرر. شخص يحضر مجموعة من الكراسى، ويقدم مجموعة من المشروبات، والزبائن موجودون وبكثرة، خصوصا فى ظل موجة الحر غير المسبوقة التى ضربت مصر فى الفترة الاخيرة، ورغبة الناس فى شم جزء بسيط من الهواء بعيدا عن «كتمة البيت» أو «نكد الزوجة» أو «إزعاج الأطفال» ومطالبهم التى لا تنتهى!
انتهى الشارع واتجهت يمينا بمحاذاة كلية طب أسنان القاهرة، وعند الكوبرى الصغير الرابط بالقصر الفرنساوى الجديد، كان هناك أكثر من شخص، قد حولوا الكوبرى إلى مكان للنوم، من دون أن يسألهم أحد: ماذا تفعلون هنا؟!
احتلال الأرصفة ليس قاصرا على كوبرى عباس أو كورنيش النيل بالمنيل. هو ظاهرة عامة موجودة فى العديد من أنحاء الجمهورية، والسبب أن معظم الأجهزة المحلية لا تمارس عملها وتراقب المخالفات وتمنعها، وتعاقب مرتكبيها.
قد يسأل البعض مستنكرا: وهل لا ترى سيادتكم إلا مخالفات هؤلاء البسطاء الباحثين عن فرصة عمل أو مكسب بسيط بالحلال، وتنسى الحيتان الكبار الذين يسرقون قوت الشعب «عينى عينك؟!».
السؤال منطقى وطبيعى واتفق معه تماما، لكن أرفض أن يتم استخدامه طوال الوقت، كمبرر لترك فوضى الشارع المتنوعة ومنها، احتلال الأرصفة. والحل هو محاربة المخالفات فى كل مكان، ومهما كان حجمها أو صاحبها، سواء كانت بجنيه واحد أو بمليار دولار.. المهم أن يعود القانون ليتم تطبيقه على الجميع، وكذلك لتعود هيبة الدولة قوية، وهذا موضوع آمل أن نناقشه لاحقا.
ظاهرة النوم فى الشارع، صارت عادية جدا، بل وتحدث فى أماكن مهمة جدا، مثل الميادين الكبرى والشوارع الرئيسية التى يمر بها العديد من المسئولين والسائحين والزوار الأجانب، ورغم حملة وزارة التضامن منذ شهور، وكذلك توجيهات رئاسة الجمهورية، فقد عاد المشردون والمتسولون، إلى افتراش الشوارع «عينى عينك!». معظم هؤلاء محترفو تسول ويعملون فى إطار جماعات أو عصابات، ويكسبون الآلاف يوميا، ولديهم عشرات الحيل والألاعيب لاستدرار عطف المصريين!
مرة أخرى نعود ونسأل الأسئلة البديهية مثل من سمح لكل هؤلاء بممارسة مثل هذه الأفعال؟! وأرجو ألا يتبرع البعض ويقول: «حرام عليكم اتركوا المشردين ينامون أو اتركوا البسطاء يسترزقون!».
من يريد أن يعظ ويكون رجل خير، فعليه أن يستضيف هؤلاء فى بيته، وليس فى قلب الميادين العامة!!
نحتاج إلى الضرب بيد من حديد على كل هذه الظواهر ومعاقبة أى مسئول يتقاعس عن مواجهتها.