كتب مروان المعشّر نائب الرئيس للدراسات فى مؤسسة كارنيجى للشرق الأوسط، مقالة بعنوان «الصحوة العربية فى عامها الرابع» نشرت على الموقع الالكترونى للمركز، تناول فيها رؤيته لثلاث ديناميكيات تحدد تطور الصحوة العربية، انتقل بعدها إلى عرض سريع لرؤيته المستقبلية لدول الثورات العربية ما يمكن أن يحمله لها عام 2014.
فيرى أن عملية التحوّل العربية ستحتاج إلى عقود حتى تنضج، وأن نجاحها غير مضمون بتاتًا. فالحركات التى تقودها أكثر إجماعًا حول ما تعارضه منه حول ما تؤيّده. بيد أن النقاش بشأن تعريف هذه الصحوة قد بدأ.
إن تحويل التحركات التى تجتاح الشرق الأوسط إلى قوى تغيير متسقة وفعّالة سيستغرق وقتًا. لذا، فالسؤال المطروح على المدى الطويل هو ما إذا كانت التغييرات الحالية، على التباسها وغموضها وصعوبتها، ستؤدّى إلى قيام مجتمعات ديمقراطية.
سيشهد العام 2014 تحرّك بلدان الشرق الأوسط فى اتجاهات مختلفة. فبينما سيخطو بعضها نحو الديمقراطية الحقيقية، ستواصل حكومات بلدان أخرى إدامة سياسات عفا عليها الزمن.
•••
انتقل الكتاب بعد ذلك إلى عرض ثلاث ديناميكيات رئيسة تحدّد منحى تطوّر الصحوة العربية. الأولى؛ انتقال الحركات الإسلامية ــ المتفرّعة بمعظمها عن جماعة الإخوان المسلمين ــ من كونها جماعات معارضة إلى قوى سياسية رئيسة فى معظم البلدان التى تمرّ بفترات انتقالية. ويبدو هذا التحوّل أكثر وضوحًا فى مصر، تونس والمغرب وإلى حد أقلّ فى ليبيا واليمن.
وفى غضون ذلك، لم تتحالف أكبر قوة سياسية سلفية فى مصر مع حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، بل انحازت إلى الجيش. وتشير هذه التطورات إلى أن الإسلاميين، حتى الإسلاميين المتطرّفين، منفتحون على تقديم التنازلات ما أن يصبحوا جزءاً من العملية السياسية.
أما الثانية التى يؤثّر على عمليات الانتقال العربية إلى المعركتين الداخليتين اللتين يبدو أن الإسلام السياسى يخوضهما، وتدور رحى إحداهما بين الحركات المتفرعة عن جماعة الإخوان المسلمين وبين الجماعات السلفية، فيما تدور الأخرى بين المسلمين السنّة والشيعة. وقد تحدّد نتيجة المعركة الأولى إلى حدّ كبير مسار الإسلام السياسى المقبل.
تثير المعركة الثانية التى يخوضها الإسلام السياسى القلق بصورة خاصة، ذلك أنّ التوتر بين السنّة والشيعة آخذ فى الارتفاع بوتيرة مقلقة ما يهدد بـ«تطييف» السياسة.
أمّا العامل الأخير الذى يشكّل الصحوات العربية فهو القوى المدنية التى لم تقبل بسهولة صعود الإسلام السياسى، وتصرّفت بطريقة توحى بأنها تؤيّد الديمقراطية طالما أنها توصلهم إلى السلطة وحسب، كما تبيّن من دعمها قيام الجيش المصرى بعزل مرسى.
•••
ستشهد مصر فى العام 2014 استفتاء على دستور جديد، إضافةً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، ولكنها لن تضع نفسها على مسار متماسك نحو الانتقال الديمقراطى. إذ سيظهر أن الدستور الجديد ينفّر الإسلاميين فى المجتمع، ويكرّس السلطات السياسية المعزَّزة للجيش، بما فى ذلك التحرّر من السيطرة الرئاسية، والصلاحيات الواسعة لمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
فى تونس، تبدو عملية الانتقال واعدة أكثر، لكنها لا تزال عرضة إلى التهديد. ومن المرجّح أن يشهد العام 2014 إقرار الدستور الجديد وإجراء انتخابات برلمانية. ويواجه الإسلاميون الحاكمون خطرًا حقيقيًا يتمثل فى احتمال خسارتهم فى هذه الانتخابات أمام ائتلاف مدنى. وفى حال حدث ذلك، سيشكّل سابقة لجهة تولّى القوى الإسلامية السلطة السياسية، ثم التخلّى عنها بإرادة شعبية.
بالنسبة إلى ليبيا، قد يكون العام 2014 عامًا محوريًا تبدأ فيه البلاد بالتعافى البطيء نحو مزيد من الاستقرار والتماسك. وستجرى ليبيا انتخابات الجمعية التأسيسية التى ستضع مسودّة دستور البلاد، كما ستعقد حوارًا وطنياً طال انتظاره تحت رعاية الأمم المتحدة ومكتب رئيس الوزراء. ويبشّر كلا الحدثين بحصول مصالحة سياسية، ويمثّلان فرصة لحلّ نزاعات شرسة حول التوازن بين السلطتين المركزية والبلدية.
•••
سوف تواصل سوريا الهيمنة على الأخبار فى العام 2014 مع استمرار حرب الاستنزاف المدمّرة التى لا يمكن لأى من طرفى الصراع كسبها أو خسارتها نظراً إلى الحالة الراهنة. ولن يسفر مؤتمر السلام المزمع عقده والمعروف باسم جينيف 2 عن اتفاق بشأن تشكيل حكومة انتقالية قادرة على توجيه سوريا نحو مرحلة جديدة. وستواصل الديناميكات الإقليمية والداخلية فى التحوّل لصالح الرئيس السورى بشار الأسد فى ظلّ القلق الدولى من تنامى دور الجماعات الإسلامية المتطرّفة فى المعارضة. وستطرح مشكلة اللاجئين، التى لم يعد بالإمكان تحمّلها، تحدّيًا هائلًا، على جميع المستويات.
حاولت المملكة العربية السعودية أن تعزل نفسها ودول الخليج العربية عن قوى التحوّل فى المنطقة من خلال سياسات عفا عليها الزمن، تمثّلت فى تقديم الإعانات والقيام بإصلاحات ظاهرية، والتدخّل العسكرى فى حالة البحرين واتخذت الرياض خطوات أبعد من الخليج، إذ سعت إلى كبح الصعود الإقليمى لجماعة الإخوان المسلمين المصرية والنفوذ الإيرانى، من خلال اتّباع سياسة خارجية أكثر حزماً ومعادية للثورة (مثل تقديم المساعدات المالية للحكومة المدعومة من الجيش فى مصر) ومؤيدة للثورة فى الوقت نفسه (مثل تقديم الدعم العسكرى إلى الثوّار المناهضين للأسد فى سوريا). وقد أدّى موقفها من البلدين إلى فتح هوّة واسعة فى علاقاتها مع الولايات المتحدة، فقد ادعّت المملكة العربية السعودية أن الولايات المتحدة خانتها بسبب إخفاء الصفقة الإيرانية عنها، وهدّدت بانتهاج سياسة خارجية أكثر تفرّداً. والواقع أنه ليس أمام الرياض سوى خيار واحد هو السير على خطا التوجّه العام لسياسة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، ومن غير المرجّح أن تنفّذ تهديداتها.
سيستمر الأردن فى الشعور بأنه قد نجح فى تجنّب موجة عمليات الانتقال العربية، من دون التصدّى جديًا إلى بعض التحدّيات الاقتصادية والسياسية الرئيسة التى تواجه البلاد. ومن المرجّح أن يدوم نجاحه هذا للوقت الحالى على الأقلّ.
قد يكون العام 2014 حاسماً بالنسبة إلى إيران على الصعيد الداخلى، وفيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية. ففى حين شكّل الاتفاق النووى المؤقّت نجاحًا باهرًا، يبدو أن لدى الولايات المتحدة وإيران توقّعات غير متطابقة أساسًا بشأن التوصّل إلى صفقة شاملة. فى هذا السياق، يبدو من المستبعد حدوث تحوّل جوهرى فى السياسات الإيرانية التى تشكّل معضلة للبلدان الإقليمية والولايات المتحدة، مثل دعم نظام الأسد فى سوريا أو حزب الله فى لبنان.
ومن شبه المؤكّد أن يشهد العام 2014 فشل المفاوضات الرامية إلى حلّ الصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى. فبعد مرور خمسة أشهر على بدء عملية التفاوض المقرّر أن تستغرق تسعة أشهر، ما من مؤشّرات إلى أن الطرفين قد بدآ حتى فى استجلاء القضايا الصعبة التى تفصل بينهما. وقد توقّع الكثير من المحلّلين أن ينفجر الشارع الفلسطينى مرة أخرى مستلهمًا روح الانتفاضات العربية. مع استمرار التقدم الدبلوماسى على الجبهة النووية الإيرانية، فمن الممكن أن يفتح الباب أمام دبلوماسية جديدة متعدّدة الأطراف بشأن القضية الفلسطينية.
•••
وختاما، فقد رأى أن السنة الرابعة من الصحوة العربية ستسلّط الضوء على مسارات هامة، بما فى ذلك مستقبل الإسلام السياسى واتّساع الفجوة بين السنّة والشيعة ودور الأحزاب المدنية وردود فعل الدول التى لم تشهد عمليات انتقالية.