الإسرائيليون أو غالبيتهم ماهرون فى حروب الدعاية والإعلام وخلط الحقائق بالأوهام. وهذه الأيام فإن عددا كبيرا من سياسييهم ووسائل إعلامهم يشنون حملات إعلامية ممنهجة وضارية ضد مصر حكومة وشعبا، ليس فقط فى كيانهم ولكن فى العديد من وسائل الإعلام العالمية المتعاطفة معهم أو الخائفة منهم وبعضها شديد التأثير.
وبالتالى فالسؤال المهم هو كيف نتعامل مع هذه الاستفزازات الإعلامية والسياسية؟
فى الأيام الأخيرة رأينا استفزازات وتهجمات وافتراءات من بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ورئيس حزب «الصهيونية الدينية»، وبعده افيجدور ليبرمان وزير الخارجية السابق ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، وإيتمار بن غفير وزير الأمن القومى ورئيس حزب «قوة يهودية» إضافة إلى العديد من الكتاب والمحللين والإعلاميين.
قلت قبل أيام إننا ينبغى أن نراعى مبدأ مهما جدا وهو «التناسبية» بمعنى أنه علينا أن نرد على الأسئلة بمنطق السن بالسن والعين بالعين والبادى أظلم وهو مبدأ موجود فى التوراة والقرآن. وفى نفس الوقت علينا ألا ننجرف إلى أى مبالغات قد ندفع ثمنها غاليا فى المستقبل، من قبيل التهييج والحروب العنترية التى قد تصيب الرأى العام بالتشوش والارتباك.
حينما يهاجمنا وزير إسرائيلى حالى فالمفترض أن يرد عليه وزير مصرى حالى، وإذا هاجمنا وزير سابق فليرد عليه وزير مصرى سابق، وإذا هاجمنا رئيس حزب فليرد عليه رئيس حزب مصرى، وإذا هاجمنا صحفى بمقال أو تقرير أو تحقيق فليرد عليه صحفى مصرى بنفس الطريقة.
فى هذا الإطار كان مهما الردود التى أدلى بها السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المصرية، وضياء رشوان رئيس هيئة الاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطنى فى مجمل البيانات والمداخلات الإعلامية.
كان مهما أيضا ما تحدث به حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهورى فى رده على سموتريتش، ومطالبته بتعليق العمل بالتفاهمات الأمنية.
كان مهما أيضا بيانات حزب التجمع والعديد من الأحزاب المصرية وبعضها فى الحركة المدنية حينما طالبوا بتعليق العمل بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، هم ردوا بنفس المنطقة والمنهج على الإسرائيليين، الذين يعتقدون أنهم فقط من يملكون رأيا عاما يفترض أن يعمل العالم بأكمله حسابا له، وكأن الرأى العام المصرى والعربى لا حساب له!
لكن لم يكن موفقا ما قرأته من كتابات وتعليقات تهدد الإسرائيليين بأن المعركة المقبلة معهم ستكون فى تل أبيب وليست فى القاهرة!.
قد يرد البعض على رأيى ويقول ولماذا لا يكون عندنا رأى صارخ يرد على الآراء الإسرائيلية الصارخة؟!
والإجابة ببساطة أنه من المهم جدا أن نرد على الإسرائيليين ونفضح أكاذيبهم ونعرى منطقهم إذا كان عندهم منطق من الأساس، ومن المهم أن نرفع الروح المعنوية لمواطنينا فى مصر، ولكن بشرط ألا نتورط أو نسقط فى مصيدة المعارك العنترية التى لا تغنى ولا تثمن من جوع.
حينما نقول إننا سنخوض المعركة المقبلة فى تل أبيب فإننا نرفع من سقف توقعات المواطنين العاديين فى الشارع المصرى غير المتابعين بدقة لمجمل الموقف فى المنطقة وحجم التحالفات والانحيازات الأمريكية والغربية لإسرائيل فى مقابل عالم عربى مفكك إلا من رحم ربى!!.
أقول ذلك لأننا جربنا هذا المنطق فى عام ١٩٦٧، وخدرنا الناس بشعارات ثم كانت الهزيمة فى ٥ يونيو التى لم نتخلص منها حتى الآن، واستعملها الإسرائيليون بمهارة حينما ادعوا أننا هددناهم بإلقائهم فى البحر.
مرة أخرى لا يعنى كلامى بالمرة أن نكون الأدنى أو نترك الإسرائيليين يتطاولون علينا، بل علينا أن نرد عليهم بكل قوة ومنطق، بل ونتخذ إجراءات عملية ضدهم إذا تجاوزا الخطوط الحمراء كما ألمح ضياء رشوان فى أحد بياناته، وأن احترام معاهدة السلام ينبغى أن يكون متبادلا كما قال وزير خارجيتنا السفير سامح شكرى، لكن من الخطورة بمكان أن نترك منطق المبالغات والشطحات والعنتريات يزيد وينتشر؛ لأن المستفيد الأكبر منه ستكون إسرائيل والقوى المؤيدة لها فى الغرب والتى تبتلى علينا وتكذب وتفترى بلا سبب، فكيف يكون الحال حينما يخرج البعض ويقول إن المعركة المقبلة ستكون فى تل أبيب.
رأينا الرئيس الأمريكى جو بايدن يتهمنا زورا وبهتانا بأننا نحن من يعطل دخول المساعدات إلى غزة، وقبله اتهمتنا إسرائيل بنفس التهمة فى محكمة العدل الدولية، وهو الكذب الذى لم ينطلِ على أحد. وبالتالى علينا أن نكون حذرين فى تصريحاتنا، ونرد على الصهاينة بالمنطق والحجة والكشف والفضح.
لابد أن يصل صوتنا بوضوح وقوة للإسرائيليين، لكن أيضا حذارى من المبالغات والعنتريات التى ستشوش على الرأى العام المصرى.