منذ الثلاثين من يونيو الماضى، أى منذ خروج الإخوان من حكم مصر، ولا يكاد يمر يوم دون حدوث عملية ضد العمالة المصرية فى ليبيا.
يكاد يكون واضحا إن هناك هدفا جوهريا لهذه التحرشات، تنتهى بإخراج العمالة المصرية، وإعادتها إلى بلادها ظنا إن هذا سوف يكون عاملا مساعدا فى الضغط على الحكومة الجديدة التى أزاحت الإخوان من السلطة.
بطبيعة الحال، وللموضوعية لا أملك دليلا دامغا يربط الإخوان مباشرة بهذا الأمر، لكن هناك مؤشرات كثيرة أهمها ما كشفه رئيس الوزراء الليبى الأسبق محمود جبريل فى الحلقات المسلسلة التى نشرها جبريل فى صحيفة الحياة اللندنية مؤخرا بأن هناك تعاونا إخوانيا قطريا بمباركة أمريكية لإزعاج النظام الجديد فى مصر والضغط عليه انطلاقا من ليبيا.
هناك شواهد على هذا الأمر، منها ما قاله جبريل بأن المسئولين القطريين ضغطوا على السلطة الجديدة فى ليبيا لمنع جمع الأسلحة من الثوار، وإن هناك الآلاف من المسلحين الجاهزين على الحدود، معهم أسلحة بلا حصر لخلخلة الوضع فى مصر.
القاهرة طلبت من المسئولين الليبين أكثر من مرة وقف هذه المضايقات ضد العمالة المصرية، لكن ثبت لمصر أن الحكومة الليبية نفسها لا تملك أى سلطة حقيقية، والدليل أن رئيسها السابق على زيدان تم خطفه، وكذلك نائب رئيس المخابرات.
كنا نعتقد أن الحوادث التى تعرض لها المصريون هناك مجرد حوادث عشوائية مثل خطف سائقى الشاحنات المتكرر، ثم القتل المستهدف للإخوة الأقباط هناك، وإغلاق الحدود المتكرر، وكذلك عمليات التهريب التى لا تتوقف خصوصا للأسلحة الثقيلة والنوعية، والتى يستخدمها الإرهابيون لقتل الجنود فى سيناء.
قبل أيام حدثت تطورات داخل البرلمان الليبى، انتهت بإبعاد على زيدان الذى فر إلى أوروبا بعد أن صوت نواب الإخوان ضده.
ومؤخرا تم القبض على بعض المصريين بحجة أن أوراقهم الثبوتية غير شرعية، وبعد تدخل وزارة الخارجية واتصال الوزير نبيل فهمى بنظيره الليبى تم تسريع إجراءات فحص أوراقهم، وتبين أن أوراق 21 منهم سليمة تماما وتم إخلاء سبيلهم، فى حين أوراق بقيتهم سليمة، لكنها تحتاج إلى استكمال.
مبدئيا لا يمكن أن نلوم السلطات الليبية إذا حاولت التأكد من صحة إقامة العمالة المصرية وغيرها على أراضيها، لأن هذا حق أصيل لها.
لكن نوضح أن طبيعة العمالة المصرية فى ليبيا مختلفة منذ عشرات السنين، والسلطات هناك تعلم ذلك. هناك كثيرون دخلوا بالبطاقة الشخصية أثناء حكم القذافى الطويل بسبب نوباته وقراراته الغريبة. الرجل كان يهدم بوابات الحدود بالبلدوز ويدعو المصريين للدخول نهارا، ثم يطردهم ليلا إذا تعكر مزاجه. والنتيجة أن هذه العمالة عانت كثيرا بسبب مزاجه المتقلب. بسبب ذلك ينبغى أن تتحلى السلطات الليبية ببعض التفهم حيال العمالة المصرية، وأوراقها الثبوتية، لا نريد منها أن تتهاون فى مسألة أمنها، لكن كل ما نطلبه أن تضع المسألة فى سياقها الطبيعى وليس فقط القانونى.
السلطات المصرية لا تعرف مع من تتفاهم فى ليبيا، بسبب كثرة وتنوع القوى المؤثرة فى المشهد السياسى، هناك قبائل، وهناك كتائب عسكرية وهناك أجهزة مخابرات كثيرة، تعبث فى الملعب الليبى، وبعضها يتآمر ضد مصر إنطلاقا من هذا البلد الشقيق الذى جرفه القذافى بصورة بشعة.
مرة أخرى ويبدو أنها ليست أخيرة: غياب الاستقرار فى ليبيا أكبر خطر يهدد مصر، وبالتالى وجب على الحكومة وكل الأجهزة البحث عن طريقة لوقف أو تقليل هذا الخطر وبما يحافظ على علاقتنا بالأشقاء.