نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «أمال قرامى» جاء فيه:
إلى هذه الفئة الهشة بتحويلها من الهامش إلى المركز والنظر فى القضايا الجوهرية التى تخصها (الانتحار، الانقطاع المبكر عن الدراسة، التحرش...) ولكن فى مسار يتنافس فيه الكهول والشيوخ على السلطة لا تمثل قضايا الطفولة أولوية بالنسبة إلى السياسيين. وفى سياق أزمة اقتصادية حادة أضحى همُ الأهل تحصيل الاحتياجات المادية لا التواصل مع الأبناء وإرساء أسس الحوار فى العائلة.
وها أننا نعود مرة أخرى إلى مسائل تتصل بحماية الأطفال وضمان حقوقهم الجوهرية متجاوزين التعاطف وممارسة طقوس البكاء والعويل على الولدان والصبيان.. فالسياق الذى نمر به يفترض تغيير أشكال التفاعل مع الأزمات والمشكلات التى تعترضنا وتجاوز ردود الفعل العاطفية وإلا كان حالنا متماثلا مع ما مر به العرب بعد هزيمة 67 من أزمات نفسية شلت قدرة الناس على التفكير وابتكار الحلول والفعل فى الواقع من أجل تغييره.
لقد انتظرنا بعد اكتشاف حالات انتهاكات حقوق الأطفال أن يهب «المشايخ» من مرقدهم لينظموا مسيرة احتجاجية فى «جمعة الغضب» انتصارا للحق فى الحياة، وتعاطفا مع الأمهات والآباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم... وانتظرنا... صرخة كبرى وتنديدا شديدا بما يقترفه بعض الكهول فى حق الطفولة.. وطال بنا الانتظار فلا خطب عصماء، ولا «خرجة بأزياء تقليدية» فى الشوارع ولا بيانات من «علماء الزيتونة» المنافحين عن قيم الأسرة والنسيج المجتمعى، ولا فيديوهات للناشط الفايسبوكى نور الدين الخادمى.
هكذا هم مشايخ بلادى لا ينخرطون فى النضال إلا متى تعلق الأمر بمطالب النسوان بالتنصيص على النوع الاجتماعى فذاك «انحراف» فى نظرهم، عن الطبيعة وينبغى التصدى له، أو حين «يعتدى» الفنانون على المقدس والشريعة والهوية من خلال الرسوم والأفلام والمسرحيات.. فيكون «الحسام الممدود» فى الرد على بنى علمان. وحدث ولا حرج عن أشكال مواجهة الجهابذة لـ«بشرى» دفاعا عن حق الله الذى انتهك.. تلك هى المسائل المركزية التى تُخرج الشيوخ عن صمتهم. أما حقوق الولدان فهى على هامش «أجندا» النضال.
ومع ذلك لا توجه أصابع الاتهام إلا إلى الوزراء فنطالب باستقالتهم ونتجاهل دور السياسيين وغيرهم من الفاعلين فى المجتمع المدنى، وفى قطاعات لها مسئولية فى توجيه الرأى العام لعل أهمها الثقافة والإعلام. فماذا قدمت مختلف وسائل الإعلام من برامج تساعد على بناء مجتمع متماسك وتوفير فضاءات آمنة للفئات الهشة؟ وهل وفرت هذه الوسائل الإعلامية برامج توعوية أو اجتماعية بحمولة معرفية متنوعة تخدم بناء الفرد؟
قد لا نبالغ إن اعتبرنا أن التفاتة الإعلام إلى قضايا الطفولة أضحت مناسبتية مقتصرة على متابعة قضايا الاعتداء عليهم ومن ثمة يتحول الضحايا إلى موضوع متابعة وتنافس بين القنوات من أجل تقديم «الصور»: صور أطفال الرقاب، وصور الرضع فى الصناديق.. وبذلك نضرب بأخلاقيات التقاط الصور عرض الحائط مادامت الغاية هى تحقيق السبق الصحفى.
أما المؤسسات التربوية فإن أغلبها لم يعد فضاء آمنا إذ استشرى العنف وأضحت العلاقة بين المعلم والمتعلم تتجاوز آداب التعلم لتغدو علاقات توتر وصراع. وغاب الإطار المسئول عن الإحاطة الاجتماعية والتربوية ولم تعقد الشراكات الضرورية مع مختلف مكونات المجتمع المدنى من أجل توفير ثقافة متينة وشاملة تتيح للطفل أن ينمو ويفهم احتياجاته ويعرف جسده ويطور قدراته ويبنى علاقاته بالآخرين بطريقة سوية.
بالفعل ما أسهل أن نُدين الجناة وندعو إلى تشديد العقوبات.. وما أعسر أن نتحمل المسئوليات ونبادر بوضع السياسات الاستشرافية.. وما أيسر أن نطالب بمساءلة الآخرين ومحاسبتهم.. وما أعسر أن نعترف بأننا نتحمل الأوزار، فجميعنا مقصر فى حماية حقوق الأطفال لأننا ببساطة لم نؤسس لثقافة يعامل فيها الطفل باحترام.