ما الذى انشغلنا به طوال الأيام العشرة الماضية؟ أقول لك:
خناقة وزير الثقافة مع موظفة بإحدى الهيئات التابعة للوزارة، مديرة إدارة تعليمية بالجيزة حرقت كتبا غير مرغوب فى وجودها بمكتبة إحدى المدارس، مناظرة إسلام بحيرى مع علماء من الأزهر ومن خارجه، دعوة للتظاهر ضد الحجاب أطلقها أحد الكتاب.
مساحات فى الصحف وساعات فى الفضائيات، خبراء وفقهاء ومتكلمون يدلون بدلوهم ويثبتون مواقفهم على الهواء مباشرة.
فهل كانت هذه القضايا تستحق أن يشتغل بها النخبة وينشغل بها الناس على النحو الذى جرى ؟
وإن كانت تستحق، فهل جرى تناولها بطريقة أزالت الغمة وكشفتها، وانكشف بعدها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر؟.. فكر معى..
أراد الوزير أن يداعب موظفة كى يبدو متباسطا وظريفا، لكن استظرافه مس وترا حساسا لدى الموظفة التى اعتبرت حديثه عن بدانتها إهانة تخدش أنوثتها، فردّت عليها على الفضاء الإلكترونى، وسرعان ما انتقلت تدوينتها إلى الفضاء العام وتلقفها معدو الفضائيات وبرامج التوك شو.. والبقية تعرفونها.
أما مديرة التعليم بالجيزة، فقد أرادت أن تثبت عداءها لجماعة وتيار ظلامى يعاديه عموم المصريين، لكنها اختارت طريقة لا تقل ظلامية، اختارت أن تحرق الكتب، وأن يصاحب ذلك شو إعلامى تبرهن من خلاله على ولائها لتوجهات الحكم والحكومة، مزايدة رخيصة أساءت لمن أرادت بفعلتها أن تحسن لهم، وأساءت قبلها لمنصبها وللهيئة التعليمية كلها، فكانت كالدبة التى قتلت صاحبها كى تهش ذبابة من فوق وجهه.
وحتى أمس، فإن تداعيات هجوم البحيرى على البخارى والأئمة مازالت تترى، وما لاحظته أن مؤيدى كل فريق بقوا متمترسين فى مواقعهم، أى أن المولد الذى تم نصبه على مدى أسبوعين أويزيد انفض سامره على خواء، وعاد روّاده ممن تزاحموا للفرجة فى لياليه العامرة من حيث أتوا، فى انتظار ليلة أخرى من ليالى الغفلة والاشتغالات.
أما أكثر ما أدهشنى فعلا، فكان دعوة خلع الحجاب.
لا أعرف ما الذى دار بخلد الأستاذ شريف الشوباشى وهو كاتب وصحفى مخضرم حين طرح دعوته تلك.
نحن نعرف أن أكثر ما نراه من مظاهر الحجاب فى الشارع المصرى له علاقة بالتحولات التى أصابته منذ منتصف السبعينيات، منذ بدأت مواسم الهجرة إلى النفط وتسرب أنماط التدين الشكلى المنغلق فى أوساط العائدين وأسرهم، وتوغّل الإسلام السياسى بروابطه الأسرية ومشاريعه الاقتصادية وخدماته الاجتماعية فى ربوع المحروسة، مستفيدا من ظروف باتت معروفة ولا مجال هنا لتكرارها، حتى تمكّن فى النهاية من اقتناص الحكم فى سنة سوداء لاأعادها الله.
لكننى أسال الأستاذ الشوباشى كمثقف ليبرالى عن موقفه لو دعا أحدهم لمليونية فرض الحجاب؟
فإذا كنت ترفضها، وأنا معك، فلابد أن ترفض أيضا دعوة خلع الحجاب، كلاهما ضد الحرية والإنسانية، كلاهما قيد على حق الفرد فى الاختيار.
وزير الثقافة ومديرة تعليم الجيزة والبحيرى والشوباشى «حشرونا فى الماسورة» عشرة أيام أو يزيد، سحبونا خلفهم فى جنازة حارة وهات يا عويل.
أما إعلامنا النورى الكلامنجى، فلم يقصّر، وبدلا من أن ينشغل بالناس، شغلهم واشتغل عليهم.
يمكن أن تعتبر هذا شيئا من النقد الذاتى..
لكن إعلاما للتنوير والوعى والتنمية، مازال حلما بعيد المنال.