سؤال هل الرسالة المباشرة، تقتل قيمة العمل الفنى، وتجعل تأثيره ضئيلا؟!
الإجابة كما يراها غالبية النقاد الفنيين هى نعم، ورأيهم أنه كلما كانت الرسالة غير مباشرة ومتضمنة بسلاسة فى تلافيف العمل الفنى، كلما كان ذلك أفضل على المدى الطويل».
بدأت بالسؤال السابق تعليقا على كتابات العديد من الكتاب والنقاد الفنيين الذين انتقدوا بعض المسلسلات الدرامية، التى تم عرضها فى شهر رمضان، وتناولت المواجهة بين أجهزة الأمن والمجتمع المصرى عموما، وبين القوى والتنظيمات المتطرفة والإرهابية والتكفيرية.
لضيق الوقت وطبيعة العمل، لم أتمكن من مشاهدة كل المسلسلات فى أوقات عرضها الطبيعية، ربما باستثناء «القاهرة ـ كابول» لكن فى الأسبوع الأخير من رمضان تمكنت من مشاهدة مسلسل «الاختيار ٢» مجمعا ومن دون إعلانات عبر منصة شاهد.
وحينما انتهيت منه تفهمت تماما سبب تحفظ البعض عليها.
المتحفظون نوعان: الأول منتمٍ ومتعاطف مع هذه التنظيمات الإرهابية، ولن يعجب بهذه الأعمال الدرامية، حتى لو تم تنفيذها، كما ورد فى كل كتب الدراما العالمية، وهؤلاء رفعوا شعارات قواعد النقد الفنى، لكى يخفوا تحفظهم ورفضهم الكامل لهذه الأعمال، لأنها تهاجم التنظيمات المتعاطفين معها، وهذا الفريق لا يمكن إقناعه أو حتى مناقشته لأنه متمترس خلف قناعات راسخة.
الفريق الثانى هو المتفق مع جوهر وهدف هذه الدراما، لكنه مختلف فى طريق المعالجة والكتابة والعرض والتأثير. وهؤلاء أتفق مع وجهة نظرهم الفنية إلى حد كبير.
لكن هناك نقطة مهمة يبدو أنها غابت عن هذا الفريق تماما، وتتعلق بصراع الحكايات والروايات والسرديات، وبالتالى تشكيل الرأى العام وتعزيز رواية وسردية معينة على حساب أخرى.
لا يخفى على أحد أن التنظيمات والقوى المتطرقة، نجحت إلى حد كبير فى إقناع أنصارها بشيطنة قوى الأمن والشرطة والجيش بل وأحيانا المجتمع بأكمله باعتباره كافرا ومنحازا ضد الإسلام والمسلمين!!!
بل إن أفرادا عاديين فى المجتمع كادوا يتأثرون بهذه الدعايات والإشاعات والضلالات.
وأظن أن هذه المسلسلات كانت موجهة تحديدا إلى هذا الجزء من المجتمع وبالاخص إلى الناس العاديين، الذين قد يمكن التأثير فى قناعاتهم بسهولة شديدة، من قبل بعض المحترفين.
عدد كبير من الناس لا يقرأ الموضوعات الجادة والمعقدة فى الصحف أو يشاهدها فى الفضائيات والمواقع الإخبارية، بل يكتفى فى أفضل الأحوال بعناوين سريعة، أو يتبنى وجهة نظر صديقه أو جاره أو معلمه، ووصلنا إلى مرحلة، أن هؤلاء الناس يعرفون التاريخ من المسلسلات والأفلام وليس من الكتب الجادة والحقيقية وإذا سألت أحدهم عن معلوماته عن صلاح الدين الأيوبى أو سيف الدين قطز فسوف يسارع بالقول إنه أحمد مظهر!!!
وبسبب هذه الفئة تحديدا فإن الدراما التليفزيونية صارت شديدة الأهمية، ولأنها تتعلق بوقائع حدثت فى السنوات الأخيرة، وتأثيراتها ما تزال ممتدة فهى تميل إلى المباشرة لأن هدفها الرئيسى، هو التأثير فى المجتمع، وجعله يتبنى وجهة نظر الدولة فى صراعها مع التكفيريين. ولم يكن من المنطقى أن يخصص منتجو هذه الأعمال مساحة كبيرة لعرض وجهة نظر المتطرفين كاملة، حتى يقتنع بعض النقاد بالحيادية والموضوعية!!! قد لا تعيش هذه الأعمال طويلا، لكن أظن أن تأثيرها الآن وفى السنوات القليلة المقبلة سيكون قويا، بل هو يشكل رصاصة قوية فى قلب وعقل التنظيمات المتطرفة والإرهابية.
أعرف عددا من الناس لم يكن موقفه واضحا من الصراع بين الدولة وبين هذه التنظيمات، ولكن بعض أن شاهد هذه المسلسلات، صار معارضا لهذه التنظيمات، ومؤيدا للدولة، وربما لهذا السبب تحديدا نفهم سر الهجوم الشديد من قبل المتطرفين وأنصارهم، على هذه الأعمال الدرامية، لكنهم لن يقولوا لك أبدا سبب غضبهم الحقيقى، بل سيلجأون إلى استعارة بعض آراء وأفكار نقاد حقيقيين.
ظنى الشخصى، ورغم العديد من الأخطاء فى بناء الشخصيات وإظهارها إما باعتبارها ملائكة، وشياطين، فإن هذه الدراما التليفزيونية، لعبت دورا مهما فى بناء الوعى لغالبية المجتمع خصوصا فيما يتعلق بمواجهة التطرف والتكفير والإرهاب
طبعا كنا نتمنى أن تجمع هذه الأعمال بين حبكة الدراما وقوتها وتأثيرها، وبين التوعية والحشد. ومن حق النقاد الحقيقيين أن يتحفظوا على طريقة معالجة الدراما التليفزيونية الأخيرة، لكن عليهم أيضا أن يقدروا المكاسب الحقيقية لهذه الأعمال ليس فقط فى مجال الفن، ولكن فى مجال السياسة والمعركة الشاملة ضد التطرف والتكفير والإرهاب.