(1)
منذ العام 1943 وسلسلة (اقرأ) العريقة تصدر عن مؤسسة دار المعارف بالقاهرة، صدر منها ما يزيد على الـ 800 عنوان، غطَّت كل فروع المعرفة الأدبية والتاريخية والفنية والعلمية.. إلخ، وبالجملة ما يمكن أن نعتبره «خلاصة» رائقة وأصيلة لما أنتجته صفوة العقول المصرية والعربية فى القرن العشرين؛ من أول جيل النهضويين العظام؛ طه حسين وأحمد أمين والعقاد والمازنى وزكى مبارك وهيكل، ونظرائهم، وصولًا إلى جيل الأكاديميين الرائعين الذين تتلمذوا على يد هؤلاء (لويس عوض، سهير القلماوى، عائشة عبد الرحمن، شوقى ضيف، وغيرهم)، وصولًا إلى أعلام الفكر والأدب والصحافة والثقافة والترجمة فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى.
(2)
اشتقاقًا من هذه السلسلة العريقة التى يعود تاريخها لما يزيد على الثمانين عامًا، أعادت دار المعارف إصدار نخبة منتقاة من عناوينها الممتازة، وبخاصة فى سنواتها الأولى، تسعى من خلال هذا الرافد الجديد إلى إعادة نشر أبرز الكتب التى صدرت فى سلسلة (اقرأ) العريقة، ومثَّلت قيمة معرفية وثقافية وجمالية خاصة؛ إما بتسليطها الضوء على علَم مفرد من أعلام التراث الإنسانى أو الأدب العالمى أو العربى (شكسبير الإنجليزى، جوته الألمانى، بيرانديللو الإيطالى، وعمالقة الأدب الروسى تشيخوف، تولستوى، ودوستويفسكى.. إلخ).
وإما تناولها لموضوعٍ فريد فى بابه أو قدمت معالجة جمالية بأسلوبية متميزة لموضوع أدبى أو نقدى أو تاريخى.. (رائعة يحيى حقى «قنديل أم هاشم» ودرته الخالدة صدرت فى اقرأ، وكتاب «سنوحى» المستلهم من الأدب المصرى القديم بقلم الجغرافى العلامة الكبير محمد عوض محمد.. إلخ).
ولعل دار المعارف بإعادة نشرها هذه «الروائع» تحقق بعضًا من الدعوة التى ألححنا فيها - وما زلنا نلح - بحاجة الأجيال الجديدة، من أبنائنا وبناتنا، للتعرف على ذلك النتاج الهائل الذى قدمته صفوة العقول المصرية والعربية فى القرن العشرين، وبعُد العهد بين الطبعة الأولى من هذه الكتب ووقتنا هذا، مع تجدد الحاجة إلى قراءة هذه الكنوز والنهل من هذه المعارف والروائع، والانطلاق منها والبناء عليها لإنتاج معارفنا نحن الآن، وفى المستقبل.
(3)
من بين أبرز عناوين الدفعة الأولى فى روائع «اقرأ» هذا الكتاب النادر عن كاتب المسرح الإيطالى الشهير «لويجى بيرانديللو» الذى كتبه محمد أمين حسونة، وصدر فى أربعينيات القرن الماضى. يقول الناقد الكبير محمود عبد الشكور فى كلمته التعريفية بهذا الكتاب:
إذا كانت هناك عشر شخصيات مؤثرة فى تاريخ المسرح المعاصر، فسيكون بينهما بالتأكيد الإيطالى لويجى بيرانديللو (1867- 1936)، والحاصل على جائزة نوبل فى الأدب فى العام 1934. بالإضافة إلى أعماله المسرحية الشهيرة مثل: «ست شخصيات تبحث عن مؤلف»، و«هنرى الرابع»، فإن بيرانديللو كان أيضًا قاصا وروائيا، وهذه الكتاب الذى ألفه محمد أمين حسونة فى سلسلة «اقرأ» يقدم دراسة عميقة حول الأديب الكبير، ليس فقط من خلال مسيرته الخاصة والأدبية، والتى لم يكن طريقها ممهدًا طوال الوقت، ولكن أيضًا من خلال قراءة وتحليل لأعمال بيرانديللو الأدبية، وللإضافة المهمة التى قدمها فى مجال المسرح بالتحديد، مع ترجمة بعض تلك الأعمال، ومقارنة إنجازه الأدبى بما قدمه كبار كتّاب المسرح مثل النرويجى هنريك إبسن.
يمنح هذا الكتاب لقارئه مفاتيح الدخول إلى عالم بيرانديللو، الذى لم يكسر فحسب الأشكال الكلاسيكية للعرض المسرحى، ولكنه أيضًا ناقش من خلال أعماله أفكارًا فلسفية مهمة حول معنى الحقيقة، كما استخدم زوايا مختلفة للرؤية، جعلت من المتفرج شريكًا أصيلًا فى التجربة الأدبية والمسرحية، ولكن أن أهم ما يخرج به قارئ الكتاب هو أن «بيرانديللو» كان ابن موهبته العظيمة، وابن عصره المضطرب القلق، الذى أعاد مراجعة الكثير من الأفكار والثورة عليها، بعد أن كانت تدخل من قبل تحت بند البداهة والتسليم.
(4)
كذلك من بين أبرز عناوين هذه الدفعة من (روائع اقرأ) كتابٌ للجغرافى والمترجم الراحل الكبير محمد عوض محمد (من رواد الثقافة المصرية العظام فى القرن العشرين) ترك كتابًا غاية فى الجمال والعذوبة اسمه «سنوحى» صدر ضمن العناوين الأولى من سلسلة (اقرأ) دار المعارف، فى ديسمبر 1943. وقد طبع هذا الكتاب مرارًا ورغم مرور كل هذه السنوات على صدوره الأول، لم يفتر الإقبال على طبعاته، بل وما زال يطلب ويُلَح فى طلبه، وهو واحد من نوادر إصدارات «اقرأ».
كتاب عوض، مع رواية الفنلندى مايكا فَلتارى (بالعنوان نفسه)، كلاهما يستلهمان الحكاية الشعبية الفرعونية القديمة «سنوحى» ذلك الطبيب المصرى الذى عاش حياة طويلة، ارتحل فيها بين أماكن عديدة وتجول فى مدن مصر وخارجها، والتقى شخصيات كثيرة وتجمع له من كل ذلك خبرة عريضة، وكم وافر من الحكايات والقصص، وخلال ذلك كله تتجلى الحياة المصرية القديمة فى أروع صورها وأزهاها وأجملها..
(وللحديث بقية)