ليت أسامة سرايا رئيس تحرير صحيفة الأهرام العريقة سكت وصمت حتى تمر جريمة تزوير وفبركة صورة الرئيس مبارك خلال افتتاح مفاوضات التسوية بواشنطن بسلام.
لو سكت سرايا فأغلب الظن أن الوسط الصحفى كان سيسخر من الأمر ويكتب بعض الساخرين بضعة مقالات ثم ينتهى الأمر عندما تظهر فضيحة جديدة.. ومثل هذه الفضائح صارت تحدث يوميا.
أقول جادا إننى أشفقت على الزميل الأستاذ أسامة سرايا وهو يبرر الأمر للإعلامية المتميزة دينا عبدالرحمن فى «صباح دريم» السبت الماضى.
كان أمام سرايا حل من اثنين، أن يكون شجاعا جدا ويعترف بالخطأ ويعتذر وينتهى الأمر، أو يصمت تماما، لكن المفاجأة أنه قرر الظهور تليفزيونيا و«أخذته العزة بالإثم»، ودافع عن الأمر باستماتة معلنا أنه سيكافئ المخرج أو الفنى الذى زور وفبرك الصورة.
أعرف عن أسامة سرايا الأدب الشديد ودماثة الخلق والابتسامة الدائمة، لكننى عندما سمعته يتحدث أمس الأول لدينا عبدالرحمن أدركت بالضبط أننا ــ وأعنى مصر والوطن العربى ــ سائرون إلى كوارث لا حد لها فى المستقبل طالما أن رئيس تحرير أكبر صحيفة مصرية وعربية يتحدث بنفس هذه الطريقة.
قبل سنوات قليلة أنهت وكالة أنباء عالمية كبرى خدمات مصور كبير بها وهو عربى الجنسية، لأنه قام باللعب فى صورة بإضافة دخان على صورة للقصف الإسرائيلى على الجنوب اللبنانى ليوحى بشدة القصف ورأيت بنفسى رئيس تحرير صحيفة خليجية عمرها لا يتجاوز خمس عمر الأهرام يقرع سكرتير تحرير لأنه قلب صورة لمجرد أن يجعل أمير دولة ينظر لداخل الصفحة وليس لخارجها لدواعٍ إخراجية.
الدروس المستفادة من «سقطة الأهرام» كثيرة وأهمها من وجهة نظرى أن زملاء كثيرين. فى الإعلام المصرى لا يزالون يعيشون مع الأوهام.. أحد هذه الأوهام أن مصر هى التى تحرك العالم.. ومن دون مصر وكلمة كبار قادتها فإن العالم سوف يواجه الفناء غدا.
من البديهى أن نحب بلدنا ونتغنى به ونتمنى له الأفضل دوما، لكن من المنطقى أن نحاول رؤية أنفسنا كما هى، حتى نتقدم إذا كنا متخلفين، وينبغى على الأستاذ أسامة سرايا ومن معه أن يدرك أننا صرنا دولة عادية جدا.. قطر هى الأكثر تأثيرا ومعها ليبيا فى دارفور ودول حوض النيل قررت أن تتحدانا علنا من شرم الشيخ، إيران أكثر تأثيرا على حماس فى فلسطين وسوريا لا تزال المؤثرة فى لبنان، السعودية ومعها إيران هما اللتان تتحكمان فى مصير الخليج العربى ومعهما أمريكا.
لو صح كلام الأستاذ أسامة سرايا بأن وضع مبارك فى مقدمة الصورة أمام أوباما ونتنياهو ومحمود عباس وعبدالله الثانى لأننا نحن الذين نقود المفاوضات والأكثر تأثيرا فى الملف، لكان مفترضا أن يتم حل القضية الفلسطينية منذ عشرات السنين، لكن واقع الحال يقول إن تأثيرنا الفعلى فى هذا الملف لم يعد يتجاوز دور أى دولة عادية.
لا أعتقد أن كبار المسئولين المصريين والوزراء يتصلون برؤساء تحرير الصحف الحكومية ليقولوا لهم انشروا صورنا، أو اجعلوها فى المقدمة.
لدينا صحفيون فى الصحف القومية على أعلى درجات الكفاءة المهنية، وبعضهم يكتم فى نفسه آراءه الحقيقية، لكن بعضهم الآخر يتصرف بطريقة الدبة التى تقتل أو تسىء إلى صاحبها، وينتهى الأمر بأن العالم صار ينظر إلينا باعتبارنا نسىء إلى أى تقاليد مهنية محترمة.
الاعتراف بالحق فضيلة.. و«الغلوشة» على الأمر والحديث عن الذين يحبون مصر ورئيسها والذين يسيئون إليها لم يعد يجدى.
مصر لم تعد مصر.. والأهرام لم تعد الأهرام التى نعرفها.. ولم نعد نعيش وحدنا فى العالم، وحكاية السبعة آلاف سنة حضارة لا تكفى وحدها لتؤثر فى العالم.
الدنيا تغيرت.. أفيقوا يرحمكم الله.