أن تنشر منذ أسبوعين جريدة اللوموند الفرنسية عدة مقالات عن فضيحة جنسية فى الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، مؤداها أن دراسة حديثة وشكاوى فردية كثيرة قد أظهرت أنه منذ خمسينيات القرن الماضى تعرض حوالى ثلاثمائة وخمسين ألف طفل وامرأة لتحرشات واعتداءات جنسية من قبل بعض قساوسة ومسئولى الكنائس الكاثوليكية فى شتى بقاع فرنسا. تمثلت تلك الاعتداءات ابتداء بتحرشات لفظية ولمسية متكررة وانتهاء باغتصابات قسرية مهينة للكرامة.
الجانب الفضائحى الأكبر تمثل فى غض الطرف من قبل كبار مسئولى الكنيسة عما كان يجرى وعدم التعامل، مثلما فعل غيرهم فى كنائس أخرى عبر العالم كله، مع شكاوى بعض الضحايا وبعض المسئولين الصغار فى الكنيسة، وذلك خوفا على سمعة الكنيسة ومكانتها فى المجتمع.
الآن، وبعد أن عبرت الضحايا بصوت علنى عن الآلام التى تعانيها والشعور بالدونية الذى صاحب حياتها طيلة عقود، وبعد انفجار الموضوع فى وجه من سكت وأخفى، قرر المسئولون فتح التحقيق والاعتذار المتأخر من الضحايا، الأحياء منهم والأموات.
إذا أضيف ذلك إلى الفضائح شبه اليومية عبر العالم كله التى فجرتها مئات الألوف من النساء فى وجه كبار الساسة والفن والأعمال والإعلام من الذين تحرشوا واعتدوا واغتصبوا ودمروا حياة البريئات، واستطاعوا بفضل ثرائهم ونفوذهم والانتهازيين من كبار محاميهم منع المحاكمة والمحاسبة ودفع الثمن.
وإذا أضيف ما فعله جهاديو الإسلام بكذب وافتراء على هذا الدين، من استباحة لأعراض وعفاف الألوف من نساء الديانات الأخرى ومن السبايا، وما يفعله النخاسون بملايين نساء وفتيات موجات الهجرات من جراء حروب الأرض العربية، وعلى الأخص من الزواج الإكراهى من القاصرات ومن المتاجرة بشرف الجائعات الهائمات على وجوههن فى المنافى وأهوال البحار.
وإذا أضيف إلى كل ذلك ما أصبح وباء سلوكيا جنسيا تقوده هوليوود بأفلامها، وما تنشره بعض منصات ووسائل التواصل الاجتماعى بإباحيتها فى عوالم الأطفال والبنات اليافعات، وما تنشره الصحف الصفراء من صور عرى وقصص، وما توحى به الإعلانات التجارية من غرائز جنسية فاضحة لبيع هذه البضاعة أو تلك، وما تسهل أمر انتشاره والتجارة به بعض الحكومات والاستخبارات والميليشيات من شتى صنوف المخدرات والمنشطات الجنسية، ومن تسهيلات لشبكات الدعارة التى أصبحت إمبراطوريات لها مكاتبها وقصورها وميليشيات حمايتها ورعاتها من سياسيين وفنيين وأصحاب ثروة، وما انتشر من تساهل المجتمعات عبر العالم كله تجاه جميع الممارسات الجنسية المبتذلة غير الطبيعية فى الأفلام والمسلسلات التلفزيونية حيث انقلب الجنس إلى ترديد لكلمات ومشاعر عاهرة وعنف متوحش وأشكال لا حصر لها من الفسق والفجور والشذوذ.
إذا أجرينا جردا لكل تلك الممارسات فى الواقع العالمى، وكل تلك التعبيرات الفنية الخادشة للحياء، وكل ذلك الاستعمال الممنهج لقلب حاجة جسدية ونفسية طبيعية إلى ممارسات حيوانية فجة خارجة على كل الديانات السماوية، وكل القيم الأخلاقية الفلسفية، وكل الدراسات والبحوث العلمية فى علوم النفس والاجتماع.. أدركنا أننا أمام مؤامرة أخلاقية كبرى، سواء بقصد أو عدم قصد، تجتاح كل المجتمعات بدون استثناء، وتحتاج إلى توجيه أصابع الاتهام إلى أهم مصادر المؤامرة تلك بكل موضوعية وشجاعة.
فإذا كانت تلك الموجة قد وصلت إلى دور العبادة التى كان يعتقد أنها دور أمان وعفة وسمو روح، وإذا كانت مشاهد الإباحية قد عشعشت فى صالونات كل البيوت وأمام كل أفراد العائلة، وإذا كان قد أصبح كل طفل قادرا على التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعى الإباحية دون رقابة من قبل سلطات الدولة ودون قدرة على المنع من قبل العائلة.. فإن الأمر قد أصبح وباءً يهدد التوازن النفسى والروحى والأخلاقى لبلايين البشر، وبالتالى تدمير الكثير مما بنته الإنسانية عبر العصور.
هذا موضوع كبير ومعقد إلى أبعد الحدود ولكنه يحتاج أن يطرح للنقاش المجتمعى الجاد الواسع فى الأرض العربية، إذ يكفينا ما فعله بنا الخارج والداخل من تدمير شامل ممنهج أوصلنا إلى جحيم مادى لا يطاق حتى نضيف إليه جحيما معنويا ورمزيا وأخلاقيا كذاك الذى ينتظرنا فى الحاضر والمستقبل.
إنه موضوع يستهدف ويمس مباشرة قدرات وتوازن شابات وشباب الأمة، الأمل الوحيد المعول عليه فى إنقاذ هذه الأمة، وبالتالى هو موضوع وجودى بامتياز.
مفكر عربى من البحرين