الأغلبية والأقلية وبناء التوافق فى مصر الثورة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 2:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأغلبية والأقلية وبناء التوافق فى مصر الثورة

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2011 - 9:33 ص | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2011 - 9:33 ص

 ما هو حجم الأغلبية المطلوبة للوصول إلى القرارات المصيرية التى تشكل مستقبل نظامنا السياسى فى فترة البناء

هل تكون هى الأغلبية البسيطة، أى مجرد الأكثرية فى أى موقف؟ أم تكون الأغلبية المطلقة؟ أم أغلبية الثلثين؟ وما الذى يحدد حجم الأغلبية المناسبة فى مواقف تتراوح مابين انتخاب مرشحين للمجالس النيابية إلى الاستقرار على أفضل نظام حكم للوطن؟

هذا سؤال مهم فى الظرف الراهن وقد احتدم الخلاف حول التعديلات الدستورية، مابين رافض لها، وما بين مرحب بها، ولا شك أن هذا السؤال سوف يثور فى المستقبل القريب مرة أخرى عندما ينتقل الحوار السياسى فى المجتمع لتناول مسائل مثل نوع النظام الانتخابى، ومستقبل مجلس الشورى، وحدود سلطات رئيس الجمهورية.

وتذكرنى هذه المسألة ببرنامج تليفزيونى كنت قد شاهدته أثناء إحدى زياراتى الطويلة للولايات المتحدة الأمريكية، وكان

موضوع هذا البرنامج الحوارى هو أفضل طريقة لصنع القرار، وضم المتحاورون فى هذا البرنامج عددا من أبرز صانعى القرار فى مجالات مختلفة، مابين رؤساء دول سابقين، ورؤساء مجالس إدارات شركات كبرى، وكان من بينهم فاليرى جيسكار ديستان، رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق، ورئيس لإحدى الشركات اليابانية وعدد من كبار المسئولين فى شركات أمريكية، وعندما طرح عليهم السؤال حول تجاربهم فى صنع القرار، تراوحت إجابات المشاركين من دول غربية بين التنويه بضرورة الاستعانة بمستشارين، إلى أهمية ضمان التمويل المناسب من البنوك، ولكنهم أكدوا جميعا على أن القرار يتخذ داخل مجموعة ضيقة من المتخصصين، وشددوا على أهمية السرعة فى اتخاذ القرار، أما المشارك اليابانى، وأظن أنه كان من كبار العاملين بشركة تويوتا العملاقة، فقد كانت إجابته مدهشة، وهى أنهم فى تويوتا لا يهتمون بالسرعة فى اتخاذ القرار، ولكنهم حريصون على إشراك الجميع، عمالا وإداريين وفنيين فى التشاور حول مشروع القرار، ولا يبالون بالوقت، ولا يتطلعون إلى حساب الأصوات عند مرحلة الحسم، وإنما يميلون إلى اتخاذ القرار الذى يكون مرضيا للأغلبية الساحقة من العاملين، بل ربما لهم جميعا، لأن المهم فى نظره هو أن يكون الجميع راضين عن القرار المتخذ، ويشعرون أنهم جميعا كان لهم دور فى صنعه، ومن ثم يتحمسون كلهم ويتفانون فى تنفيذه.

نوع الأغلبية المطلوبة

على المستوى الوطنى


هذه المسألة وثيقة الصلة بالحوار الذى يجرى فى مصر فى هذه الفترة الانتقالية التى نتطلع فيها إلى بناء نظام سياسى جديد، فمن الواضح أن هناك العديد من القضايا التى ستثور، وتختلف بشأنها الآراء، ومن الواضح أيضا أن هناك قرارات معينة يمكن أن نقبل فيها رأى الأغلبية، وقد تكون أغلبية مطلقة، وهناك قضايا أخرى يمكن أن نرفع فيها نسبة الأغلبية لتكون الثلثين مثلا، فعند انتخاب أعضاء مجلس الشعب سوف نحتكم بالضرورة إلى قاعدة الأغلبية، وينطبق نفس الأمر على المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية، وعندما يتعدد هؤلاء المرشحون فإنه من النادر أن تحسم الانتخابات لصالح أى منهم فى الجولة الأولى، وفى الجولة الثانية بين أكثرهما فى نسبة الأصوات فى الجولة الأولى، يكفى أن يحصل واحد منهما على ما يزيد على خمسين فى المائة بقليل ليكون فائزا مقبولا فى هذه الانتخابات، ويتولى مهامه دون أى نزاع، ولكن عندما يتعلق الأمر مثلا بمشروع قانون مختلف عليه بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإن القاعدة المقبولة هنا هى أغلبية الثلثين.

أما عندما يكون الأمر المطروح للنقاش العام هو طبيعة النظام السياسى أو تعديل الدستور، فإن الاكتفاء بأى أغلبية يكون أمرا خطيرا، لأن النظام السياسى أو الدستور ينبغى أن يحظى بالتوافق الوطنى العام، حتى يشعر المواطنون جميعا بالولاء له، ولا يجدى فى هذا السياق أن يقال إن هناك أغلبية كبيرة تساند بعض القواعد الدستورية المطروحة للنقاش، أو أن الأغلبية، على عكس الأقلية تميل لنظام حكم معين، بينما ترفضه الأقلية، فى مثل هذه المسائل التى يتعلق بها مستقبل نظام الحكم لفترات طويلة لا ينبغى الرضوخ لقرار الأغلبية أيا كانت، وإنما ينبغى السعى لبناء توافق وطنى عام حولها.

ولحسن حظنا فى مصر، فإن الخلاف حول التعديلات الدستورية لم يكن بهذه الحدة، ولم تكن المسافة التى تفصل وجهتى النظر الأساسيتين حول هذه التعديلات واسعة على نحو لا يمكن تضييقه. فهناك فريق يريد المضى إلى صياغة دستور جديد، بينما يرى الفريق الآخر أن الموافقة على هذه التعديلات هى مجرد خطوة على الطريق الذى يؤدى إلى صياغة مثل هذا الدستور، أى أن الفريقين متفقان على ضرورة الوصول إلى دستور جديد، ولكن الخلاف بينهما هو حول توقيت هذه الصياغة.

ولكن مما يجعل من الصعب على الفريق الأول قبول الانتظار إلى حين صياغة الدستور الجديد، هو أن التعديلات لا تكفى للحيلولة دون ظهور الأخطار التى يخشاها الكثيرون، وفى مقدمتهم تلك القوى التى صنعت ثورة الخامس والعشرين من يناير، فالتعديلات لا تمس الاختصاصات الواسعة التى أتاحها دستور ١٩٧١ لرئيس الجمهورية، ومن أخطرها تلك الواردة فى المادة ٧٤، والتى تخول رئيس الجمهورية اتخاذ أى إجراءات يراها ضرورية إذا ما قام خطر يهدد استقلال الوطن أو سلامة أراضيه أو استقرار المؤسسات، وهى نفس المادة التى استند إليها الرئيس السادات فى سبتمبر ١٩٨١ ليأمر باعتقال أكثر من ألف وخمسمائة من المواطنين من كل الاتجاهات السياسية وبطرد عشرات من الصحفيين وأساتذة الجامعات من وظائفهم، وهى نفس الإجراءات التى بنى الرئيس المخلوع حسنى مبارك شرعيته على إلغائها، ويبدو مثل هذا الخطر قائما إذا ما تذكرنا أن الرئيس المنتخب وفق الجدول الزمنى الذى حدده المجلس الأعلى للقوات المسلحة سوف يحكم البلاد شهورا طويلة قبل صياغة الدستور الجديد، فبينما سينتخب الرئيس القادم ربما خلال خمسة أشهر، فإن الدستور الجديد لن يكون جاهزا للتصديق عليه فى استفتاء عام قبل سنة وثلاثة أشهر، وذلك بافتراض أن مجلسى الشعب والشورى سينتخبان بعد ثلاثة أشهر من الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأنهما سينتخبان خلال ستة أشهر الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور الجديد، وأن أمام هذه الجمعية ستة أشهر أخرى لوضع هذا الدستور، وليس هنا محل للقول بأن دستور ١٩٧١ قد سقط، لأن الأخذ بالتعديلات الدستورية يعنى أنه سيبقى بالتعديلات التى تدخل عليه، وليس فيها كما ذكرنا مساس بصلاحياته الواسعة، والتى قيل بحق أنها تصنع ممن يتولى هذا المنصب فرعونا، وهو ما أثبتته تجربة رئيسين توليا الحكم فى ظل هذا الدستور

والسبب الثانى الذى يدعو إلى ضرورة بناء توافق عام حول هذه القضية الدستورية هو أن الذين يعترضون على هذه التعديلات هم قوى سياسية سوف تكون بداية سيئة للفترة الانتقالية أن تجرى الاستهانة بموقفها من هذه القضية بل ومن كل ترتيبات المرحلة الانتقالية، ففى مقدمة هذه القوى الجماعات الشبابية التى أخذت المبادرة فى الدعوة إلى الثورة، وساندتها جموع الشعب، وهى تشمل معظم الأحزاب السياسية القائمة والتى تنتصر لفكرة الدولة المدنية، كما يتخذ نفس الموقف الكثيرون من الشخصيات العامة ومن فقهاء القانون، وليس من الحكمة أن يجرى تجاهل كل هذه القوى والاستكانة فقط إلى التأييد الذى حصلت عليه هذه التعديلات من فصائل الإسلاميين.

مسئولية المجلس الأعلى

للقوات المسلحة

ليس هناك أدنى شك فى ضخامة المسئوليات التى يتحملها المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى هذه الفترة الدقيقة من تاريخ الوطن، وهو موضع ثقة الأغلبية الساحقة من المواطنين والقوى السياسية التى تريد وضع نهاية للنظام الذى سقط بكل ممارساته وشخوصه، ولذلك يتطلع كل هؤلاء إلى أن ينجز المجلس الأعلى للقوات المسلحة قطيعة مع ممارسات النظام السابق من تجاهل مواقف قوى فاعلة فى مصر، وفى مقدمتها تلك القوى التى تولى المجلس دوره التاريخى بحكم شجاعتها وتضحياتها، ولذلك فإن الرجاء هو أن تكون إدارة المرحلة الانتقالية فى خطوطها العريضة هى نتيجة مشاورات مع هذه القوى بقصد الوصول إلى توافق وطنى عام حول هذه الخطوط، وبالمشاركة الفعالة مع المجلس لرموز هذه القوى وأن يكون السعى إلى تحقيق هذا التوافق الوطنى بين كل القوى السياسية الاجتماعية، وعموم المواطنين مسلمين ومسيحيين وأيا كانت عقائدهم هو النبراس الهادى لعمل المجلس وعمل كل أجهزة الدولة.

التوافق الوطنى حول هذه القضايا المصيرية هو الشرط الضرورى والذى لا غنى عنه لنجاح جهود الخروج من الفترة الانتقالية على نحو يدعم شرعية النظام السياسى الجديد ويكفل له الاستقرار.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات