الفائدة الأمريكية.. الآثار والتحديات - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 1:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الفائدة الأمريكية.. الآثار والتحديات

نشر فى : الإثنين 21 مارس 2022 - 8:05 م | آخر تحديث : الإثنين 21 مارس 2022 - 8:05 م
لم تكن مفاجأة إعلان الفيدرالى الأمريكى يوم الأربعاء الماضى عن رفع أسعار الفائدة بخمس وعشرين نقطة أساس. كان الجميع ينتظر القرار الذى يعد الأول من نوعه منذ ديسمبر 2018، والذى مهد لصدوره «جيروم باول» رئيس مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى فى بيانات سابقة، وبات الجميع فى ترقب لستة ارتفاعات أخرى خلال العام 2022 لترتفع مستويات الفائدة من مستويات قرب الصفر إلى ما يناهز 1.9% بنهاية العام وفقا لأحدث التنبؤات. بل وهناك ثلاثة ارتفاعات أخرى مرتقبة خلال العام 2023.
الخطوة التى أقدمت عليها لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية لصناعة السياسات تجعل النطاق السعرى للفائدة بين البنوك لليلة واحدة تتراوح بين 0.25٪ ــ 0.5٪. لكن آثارها ستمتد إلى مختلف منتجات الدخل الثابت، وتنعكس بالتأكيد على تكلفة الاقتراض والتمويل بشكل عام.
وإذا كان تباطؤ النمو الاقتصادى هذا العام هو أحد أبرز الآثار الجانبية المتوقعة لقرارات رفع أسعار الفائدة، فإن التصدى لمعدلات التضخم غير المسبوقة فى البلاد منذ أكثر من أربعين عاما (7.9% تضخما سنويا مقوما بمؤشر أسعار المستهلكين نهاية فبراير الماضى) هو ما يقود الفيدرالى الأمريكى فى قراراته المتأخرة نسبيا. معدل التضخم المذكور لا يتجاوز فقط المشاهدات التاريخية على مر سنوات، لكنه يتخطى بشكل كبير المعدل المستهدف من قبل السلطة النقدية والمقدر بـ 2% سنويا فقط.
رفع أعضاء اللجنة تقديراتهم للتضخم، وتوقعوا أن يعكس مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصى باستثناء الغذاء والطاقة نموا بنسبة 4.1٪ هذا العام، مقارنة بتوقعات بلغت 2.7٪ فى ديسمبر 2021. ومن المتوقع أن يكون معدل التغير فى الإنفاق الاستهلاكى الشخصى الأساسى فى العامين التاليين 2.7٪و 2.3٪ على التوالى، قبل الاستقرار عند مستوى 2٪ على المدى الطويل.
• • •
إقليميا رفع عدد من دول الخليج العربى أسعار الفائدة على عملاتهم فى استجابة سريعة للخطوة الأمريكية وفى محاولة لامتصاص الصدمات التضخمية فى البلاد. حيث أقدمت كل من السعودية والإمارات والبحرين والكويت على رفع أسعار الفائدة لديها بمقدار 0.25%. بدوره، قرر بنك قطر المركزى تثبيت الفائدة على الإيداع عند 1% والإقراض عند 2.50%، لكنه رفع سعر الفائدة على اتفاقيات إعادة الشراء بمقدار 0.25% إلى 1.25%.
عالميا أقدمت على تلك الخطوة دول أخرى مثل بريطانيا، حيث أعلن بنك إنجلترا يوم الخميس الماضى رفع أسعار الفائدة للمرة الثالثة على التوالى بمقدار 0.25% إلى 0.75%، فى محاولة لكبح التضخم الذى بلغ أعلى مستوياته منذ 30 عاما. البرازيل هى الأخرى رفعت أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة إلى 11.75%، وتعهدت بزيادة مماثلة خلال اجتماع البنك المركزى المقبل، بعدما بلغ معدل التضخم مستوى 10.54%. كما أعلنت سلطة النقد فى هونج كونج رفع معدل الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 0.75%، مؤكدة أنها تسعى بذلك إلى «الحفاظ على استقرار النظام المالى» وسط التذبذب الحالى.
• • •
التباطؤ الاقتصادى لن يكون العرض الجانبى الوحيد لحمى رفع أسعار الفائدة التى اجتاحت البنوك المركزية حول العالم. لكن ارتفاع عبء المديونية خاصة على الدول النامية سوف يكون ضرره كبيرا، كما سبق أن حذر كل من صندوق النقد والبنك الدوليين فى تصريحات متكررة منذ بدء معدلات التضخم فى الارتفاع إلى مستويات تاريخية شرقا وغربا. مناشدة مؤسستى التمويل للدول المتقدمة للتريث فى رفع أسعار الفائدة لعدم تكرار سيناريوهات عام 2013 التى ضغطت بشدة على الدول النامية، كادت أن تؤتى ثمارها لو لم يتعرض العالم لصدمة جديدة بخلاف جائحة كوفيدــ19 وهى الحرب الروسية ــ الأوكرانية الدائرة حاليا. تلك الحرب هددت سلاسل الإمداد وأشعلت حرب العقوبات المتبادلة بين طرفيها الأساسيين (روسيا من ناحية، والولايات المتحدة ومعها الغرب الأوروبى من ناحية أخرى). فبينما تعاقبت على روسيا عقوبات مبكرة تهدف إلى تعميق عزلتها عن النظام الاقتصادى العالمى ممثلا فى نظم الدفع والتجارة وحرية الملاحة فى المجال الجوى... ردت روسيا باستخدام سلاح النفط والغاز الطبيعى الذى مازالت كبرى الدول الغربية تعتمد عليه ومنها ألمانيا التى تمثل الاقتصاد الأكبر فى الاتحاد الأوروبى. كما ردت بغلق مجالها الجوى أمام الملاحة الدولية للدول التى بدأت باستخدام تلك الورقة، الأمر الذى أدى إلى إرباك حركة الملاحة الجوية فى أوروبا ورفع من تكلفة الطيران والذى بدوره سوف يرتد فى صورة رفع لأسعار النقل بمختلف صوره.
استراتيجيات تخزين الغذاء والمواد الأولية باتت أيضا فى وضع حرج ينذر بأزمات غذائية فى عدد من الدول، خاصة التى تعتمد على صادرات روسيا وأوكرانيا من الحبوب وزيوت الطعام. فما إن أعلنت دولتا الصراع عن تعطيل الصادرات حتى أقدمت معظم الدول على زيادة حجم احتياطياتها من المواد الغذائية والأولية والنفط ومشتقاته. هذا بدوره يغذى أزمة نقص المعروض بشكل مزعج ويضغط بشدة على بورصات السلع الكبرى والتى تعد مؤشرا للأسعار فى كل دول العالم ومن بينها مصر.
• • •
التحسن النسبى الذى شهدته مصر فى مؤشراتها الاقتصادية الكلية خلال النصف الثانى من العام المالى السابق لن يصمد طويلا أمام الأزمة العالمية الراهنة. فمصر تعتمد على الاستيراد لسد الكثير من فجواتها الغذائية وفى مقدمتها تلك المرتبطة بالقمح الذى تحقق مصر اكتفاء ذاتيا فى إنتاجه بمقدار 50% تقريبا. ولحسن تدابير القدر فإننا مقبلون على موسم الحصاد الذى يوفر احتياطيا صالحا للاستهلاك لنحو نصف العام، ويضاف إليه رصيد من المخزون يكفى بدوره لنحو أربعة أشهر أخرى. لكن على المديين المتوسط والطويل على الدولة أن تتحرك سريعا للتصدى لأزمة فى الحرب التى لا يعرف أحد متى وكيف تنتهى.
كذلك تعد مصر من الدول التى تعتمد على إصدارات منتجات الدين السيادية لسد العجز فى موازنتها العامة، ومن المؤكد أن رفع أسعار الفائدة عالميا خاصة على الدولار الأمريكى سوف يرفع فاتورة خدمة الدين الخارجى. ومن المؤكد أن المركزى المصرى سوف يحرك أسعار الفائدة ارتفاعا لاستيعاب التضخم الذى خرج أخيرا عن النطاق المستهدف أو أوشك على الخروج. هذا الرفع فى معدلات الفائدة على الجنيه يضغط على تكلفة الدين العام المحلى ويزيد من مخاطر العجز فى الموازنات العامة المقبلة. كذلك يؤدى رفع أسعار الفائدة إلى تقويض النمو الاقتصادى نظرا لتسببه المباشر فى رفع تكلفة تمويل الاستثمار، ويجعل القروض والسندات والصكوك... وسائر أدوات الدخل الثابت بديلا أكثر جاذبية للاستثمار المباشر واستثمارات الحافظة فى أسهم الشركات بالبورصة المصرية. بالطبع لا حاجة هنا لتكرار الحديث عن العبء الكبير الذى تمثله سوق رأس المال بإداراته الحالية على الاقتصاد المصرى، فقد تم تناول هذا الأمر فى مقالات عدة سابقة، والمقال لا يتسع لمزيد من التوضيح فى هذا الشأن.
تحريك جديد فى قيمة الجنيه أمام الدولار الأمريكى ربما يكون مطلوبا خلال الفترة المقبلة، خاصة مع اتجاه الفائدة على الدولار الأمريكى للارتفاع إلى ما يقرب من 2% بنهاية العام الحالى. الدولار الأمريكى الأقوى نسبيا مقابل مختلف العملات، يزيد من معاناة الجنيه المصرى أمامه. لكن حجم هذا التحريك يعتمد كما أوضحت فى المقال السابق على عدد من العوامل والظروف. لا أظن البنك المركزى المصرى سيتأخر فى الاستجابة للصدمة التضخمية وللتحرك الأمريكى برفع أسعار الفائدة، وأحسب اجتماعاته المقبلة ستكون شاهدة على ارتفاعات متتالية فى أسعار الفائدة الأساسية على الجنيه المصرى، حتى وإن كان جانبا كبيرا من التضخم الحالى مشفوعا بعوامل العرض (أى أن نقص الاستثمار والإنتاج يساهم بشكل كبير فى رفع معدلات التضخم) لكن الأداة الأسرع والأكثر فاعلية للسياسة النقدية لامتصاص فائض المعروض النقدى هى رفع أسعار الفائدة حتى يتحقق الاستقرار فى المستوى العام للأسعار. إدارة الأزمة تختلف عن إدارة المخاطر، وتفرض شروطا لا يقبلها المنطق السليم لحين مرور العاصفة.
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات