يوم الإثنين الماضى حذر أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة من أن السودان يغرق فى الموت والدمار.
هذا المسئول الدولى الكبير كان يتحدث فى افتتاح مؤتمر دولى فى جنيف عنوانه «دعم الاستجابة الإنسانية فى السودان» بمشاركة أوروبية ومصرية وخليجية ومن بين ما قاله إنه من دون دعم إضافى قوى يمكن أن يصبح السودان مكانا لانعدام القانون ونشر عدم الأمان فى أنحاء المنطقة.
كلام جوتيريش فى منتهى الخطورة لأنه يصدر عن أرفع مسئول دولى فى العالم، ولا يمكن أن يطلق هذا التصريح الصادم إلا إذا توافرت أمامه البيانات والمعلومات والوقائع التى تجعله يتفوه بمثل هذا الكلام الذى يعتبر الأخطر على الإطلاق منذ اندلاع المأساة السودانية صباح السبت ١٥ أبريل الماضى بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبدالفتاح البرهان وميليشيات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
لن أستغرق فى الحديث عن الأرقام والبيانات المتاحة وأخطرها ومنها مثلا أن هناك أكثر من نصف سكان السودان يحتاجون للمساعدة الإنسانية، وأن هناك أكثر من ٢٫٥ مليون نازح و٦٥٠ ألف لاجئ، وأكثر من ثلاثة آلاف قتيل وستة آلاف جريح وانعدام كامل للزمن فى هذا البلد العربى الإفريقى الكبير.
ما أنا بصدده اليوم هو التساؤل الجوهرى كيف وصل الحال بمن يفترض أنهم قيادات البلد فى السودان، على اختلاف أسمائهم ومناصبهم بأن يدمروا بلدهم بهذا الشكل الهمجى والوحشى؟!.
أعلم أن هناك تعقيدات كبيرة فى المأساة السودانية، بعضها ليس وليد اليوم أو الأمس القريب، وأعلم أن هناك تداخلات كثيرة محلية وإقليمية ودولية، وأعلم أن هناك قوى كثيرة تتربص بالسودان وبالمنطقة العربية بأكملها، وتريد لها أن تعود إلى مجرد قبائل وفصائل وتنظيمات متناحرة، لكن ما أعلمه أكثر أن غالبية عناصر المأساة السودانية وسائر المآسى العربية من صنع قيادات هذا البلد، ولا يمكن أن نتحدث عن مؤامرة صهيونية أو إمبريالية أو تقدمية أو تأخرية من دون أن نغفل أن كل هذه المؤامرات وهى موجودة، ما كان يمكن لها أن تنجح من دون توافر هذه التربة المحلية الخصبة.
السؤال ببساطة: ما هذه العقلية التى تجعل المتحاربين فى السودان يدمرون مقدرات وموارد هذا البلد، الذى كان مصنفا قبل اندلاع الأزمة الحالية بأنه أحد البلدان الأكثر فقرا فى أفريقيا والعالم، رغم أنه يتمتع بثروات طبيعية كان يفترض أن تجعله سلة غذاء المنطقة بأكملها حيث لدية مئات الآلاف من الأفدنة الصالحة للزراعة وأمطار غزيرة وثروات معدنية وحيوانية متنوعة؟!
من يطالع الأخبار والتقارير المصورة يشعر بالحزن والأسى والقهر حينما يرى أحياء كاملة تم تدميرها وهجرها سكانها بحثا عن مكان آمن. أو يرى جثثا فى شوارع كثيرة لا يستطيع الناس أن يدفنوها لأنهم خائفون على حياتهم من رصاصة طائشة.
القصص الإنسانية القادمة من السودان خصوصا الخرطوم ودارفور تدمى قلوب أى عقل أو قلب سليم ليس فقط تعاطفا مع أصحابها، ولكن لأن هذا البلد الكبير سوف يحتاج سنوات وربما عقودا حتى يمكنه العودة لأوضاع ما قبل ١٥ أبريل الماضى، وهى أوضاع كانت صعبة أيضا.
لو أن كل القوى الدولية المتآمرة على السودان والعرب وأفريقيا دفعت تريليونات الدولارات لعملائها ما تمكنوا من تدمير البلد بهذه الطريقة التى يفعلها بعضا ممن يقولون إنهم أبناء وقادة هذا البلد، وبعد كل ما فعلوه يطالبون المجتمع الدولى بأن يقف بجانبهم ويقدم لهم المساعدات الإنسانية!
ما يحدث فى السودان هو نتيجة مباشرة للاستبداد وغياب ثقافة الوعى والتعددية وقبول الآخر وانتشار الفساد والجهل والمرض والتجارة بالدين، وهذه هى النتيجة الطبيعية المتوقعة، وهى نفس النتيجة التى نراها كل يوم فى العديد من البلدان العربية والأفريقية.