هناك كاريكاتير طريف يصور الولايات المتحدة والتنظيمات المتطرفة وهما يمارسات اللعبة الشعبية الشهيرة «الاستغماية». كل طرف يعطى الطرف الثانى ظهره، ويقول الأمريكى المسلح: «خلاويص»، فيرد المتطرف المسلح أيضا: «لسه»!!!.
من رسم هذا الكاريكاتير يريد أن يقول إن كل ما يحدث بين الطرفين منذ زمن طويل مسلسل أو تمثيلية متفق عليها، فى حين أن الشعوب المغلوبة على أمرها تدفع الثمن طوال الوقت، ولا أحد يتعلم من الدرس.
السؤال: هل يعكس هذا الكاريكاتير شديد السخرية الواقع فعلا، أم أنه خيالى، ويتبنى فقط نظرية المؤامرة؟!
ظنى أن هذا الكاريكاتير يعبر إلى حد ما عما حدث على أرض الواقع منذ عقود طويلة، لكن ربما يكون الخلاف: هل ما يحدث نتيجة اتفاق مسبق بين الطرفين، أم أنه مجرد تقاطع مصالح بين الطرفين، أو ربما أن طرفا واحدا يسخر الطرف الثانى لتحقيق أهدافه، من دون أن يدرى هذا الطرف الآخر أنه مجرد دمية فى يد أمريكا. لكن فى النهاية فإن النتيجة واحدة على الأقل بالنسبة لنا كعرب وكمسلمين وهى أن الولايات المتحدة استخدمت تيار الإسلام السياسى وقبلها بريطانيا كأداة أو سلاح لتنفيذ أهدافها الاستراتيجية، حتى لو حدث تقاطع وصراع بينهما فى بعض الفترات.
نتذكر أن الاتحاد السوفييتى تدخل فى أفغانستان، ونصب حكومة موالية له فى عام 1979، وبعدها استغلت الولايات المتحدة هذا الخطأ السوفييتى القاتل، وجندت كثيرا من الحكومات العربية والإسلامية لمحاربة الاتحاد السوفييتى فى أفغانستان.
استمرت هذه الحرب عشر سنوات تقريبا، وكانت أحد الأسباب فى تفكك الاتحاد السوفييتى نفسه، وانهيار سور برلين وسقوط الكتلة الشرقية الشيوعية.
أمريكا أقنعت بعض السذج أنها تساند المسلمين ضد «الملحدين»، وهكذا رأينا بدايات تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن الذى استقطب آلاف الشباب المسلمين، وأقنعهم بأنهم يجاهدون فى سبيل الله لتحرير بلد «مسلم» من احتلال بلد «ملحد»، ورأينا حكومات عربية عديدة ترسل آلاف الشباب ومليارات الدولارات للمساهمة فى هذا «الجهاد»!!!.
أمريكا استخدمت ما يسمى بـ «المجاهدين» وقتها فى مهمة محددة وهى استنزاف الاتحاد السوفييتى، وعندما انتهت المهمة، ألقت بهم فى سلة المهملات. ثم بدأ هؤلاء «المجاهدون» يتصارعون فيما بينهم فى حروب ومعارك أهلية، ثم استداروا لإزعاج أمريكا، ونفذوا هجمات ضد أهداف أمريكية فى أفريقيا والخليج، ثم هجمات 11 سبتمبر 2001، التى قادت إلى غزو أمريكا لأفغانستان فى أكتوبر 2001، وإسقاط حكومة طالبان، والقبض على العديد من قادة «القاعدة» واعتقالهم فى جوانتانامو، وبعدها قتلوا أسامة بن لادن نفسه فى باكستان عام 2011.
فى نفس هذا العام كان التوجه الأمريكى هو دعم نسخة جديدة من الإسلام السياسى، فى المنطقة العربية تحت حجة أنه «معتدل» مقارنة بالنموذج المتطرف المتمثل فى «القاعدة» وأخواتها.
الولايات المتحدة وبريطانيا، ودول أوروبية أخرى قررت الاستثمار فى «الإسلام السياسى»، لكن بعد سنوات قليلة اكتشف الجميع أن السيناريو لم ينجح، والأخطر اكتشاف أن الفوارق بين النسختين «المتطرفة» و«المعتدلة»، ليست كثيرة جدا كما اعتقدوا، خصوصا بعد الأعمال الإرهابية السافرة التى نفذها «داعش» أو «النص نص» التى نفذها «الإخوان»، قبل ان يتباهوا بعمليات إرهابية سافرة.
المصالح تقاطعت بين طالبان والقاعدة وبين أمريكا فى أفغانستان، لكنها لم تتقاطع أبدا بين أمريكا و«القاعدة» فى سوريا مثلا، أو مع الإخوان فى أى مكان.
أمريكا قررت الخروج من أفغانستان بعدما انهزمت فعليا وأدركت بوضوح أنه يصعب عليها تماما بناء الدولة الديمقراطية التى تحلم بها هناك وبعد أن تم استنزافها ماليا وبشريا.
صحيح أنها انهزمت هزيمة مُذلة فى أفغانستان، وهربت بصورة مزرية هى وأعوانها وعملاؤها، لكن ذلك لن يمنع أنها ستحاول أن تعيد استخدام ورقة طالبان لتحقيق أهداف أخرى، منها مثلا مناكفة روسيا بحجة أنها تقمع المسلمين فى الشيشان وأنجوشيا وسائرالمناطق ذات الأغلبية المسلمة، أو ــ وهذا هو الأساس ــ مناكفة الصين، بحجة أنها تقمع أقلية الإيجور المسلمة فى تركستان الشرقية. وقد تكون هذه الصفقة مقابل أن تعترف أمريكا والغرب بحكم طالبان وتسهيل حصولها على الدعم الدولى اقتصاديا وسياسيا. عموما سوف ننتظر ونرى، هل يقع المتطرفون مرة أخرى فى المصيدة أم ماذا هم فاعلون؟!