يذهب الأغبياء.. ويبقى الجرافيتى - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يذهب الأغبياء.. ويبقى الجرافيتى

نشر فى : الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 8:30 ص

لا أتصور أن محافظ القاهرة أو أى مسئول آخر ذهب إلى رئيس الجمهورية أو اتصل به ليقول له: «يا افندم ما رأيك فى إزالة  رسوم الجرافيتى الموجودة على جدران شوارع وسط البلد». لو أن ذلك حدث بأى صورة من الصور فتلك كارثة.

 

ولا أتصور أيضا أن عامل المحافظة أو موظف شرطة المرافق قد قام بدهان الجدران من تلقاء نفسه، فهو لا يدرك أن الرسوم تدافع عن حقه كمعدم ومحروم من كل الحقوق.

 

المؤكد أن عامل الدهان الذى أمسك بـ«الرولة» وأزال بغشومية

 

هذه الرسوم الراقية لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه. هناك شخص ما أعطى الأمر بذلك فمن هو؟

 

هل هو المحافظ أم رئيس شرطة المرافق أم أحد كبار اللواءات المنتشرين فى الميدان أم من؟ هل يمكن أن يكون موظفا أراد أن ينافق رؤساءه؟

 

أكاد أشعر بأن رسوم الجرافيتى التى تم رسمها منذ اندلاع الثورة وحتى إزالتها صباح الأربعاء الماضى تزعج كثيرين.

 

كل أنصار  عهد مبارك وكل أجهزة الأمن بلا استثناء تمقتها بعمق، لأنها تذكرهم بفشلهم، غالبية أنصار التيار الإسلامى لا تروقهم كثيرا سواء لأن مضمونها يسارى وليبرالى أو حتى لأن بعضهم يعتقد أن كل الرسوم حرام!!.

 

من قبيل التكرار القول إن إزالة هذه الرسوم أكدت المقولة الخالدة أن «عقلية حسنى مبارك» ماتزال تعشعش فى خبايا وتلافيف الدولة، وبالتالى فأمامنا وقت طويل حتى نتخلص منها.

 

جوهر الدولة القديمة وليس «العميقة» مايزال موجودا ولن يمكن محوه بسهولة.

 

لكن السؤال الذى شغل كثيرين هو: ما هذا القدر من الغباء والحماقة والغشومية التى دفع شخصا أو جماعة أو هيئة كى تستأسد ضد رسوم على الجدران؟!.

 

ألم يفكر من اتخذ هذا القرار فى أنه سيتحول إلى مسخ تتقاذفه النكات الساخرة من كافة وسائل الإعلام؟!.

 

سؤال آخر: ما الذى دار فى ذهن هذا «العبقرى» وهو يتخذ قراره؟!.

 

هل اعتقد أنه بإزالته للرسوم سينظف  الجدران فعلا؟!. لو أن تخمينه صحيح فهو لا يعرف أى شىء عن النظافة.

 

أغلب الظن أن متخذ هذا القرار فعل ذلك بسبب حقد دفين تمثله الفكرة الكامنة خلف هذه الرسوم، لن يعترف أحد بذلك وسيقسم الجميع أنهم يحبون الثورة ويموتون فيها ويقرأون الفاتحة كل ليلة على أرواح شهدائها!!.

 

الأغبياء الذين أصدروا قرار إلغاء الرسوم لم يتصوروا للحظة أن الشباب المبدع سوف يعيد رسمها بعد دقائق أو ساعات. هم ــ ولأنهم أغبياء سيطويهم النسيان قريبا ــ يعتقدون أن مجرد إزالة الجرافيتى سيجعل الناس تنسى الثورة وتنسى مضمون هذه الأعمال البديعة.

 

هذا المسئول الأحمق والعامل ــ الذى لا يعرف ماذا فعل ــ وبعض البسطاء الذين رأوا فيما حدث عملية تنظيف للميدان، لا يدركون للأسف أنهم ارتكبوا جريمة كبرى هى الاعتداء على ذوق وروح الثورة المصرية.

 

صحيح أن الفنانين بدأوا يعيدون الرسم،وصحيح أنهم قادرون على إبداع جرافيتى جديد، لكن المشكلة أن الرسوم القديمة بنت لحظتها، ورسمت بدماء الشهداء.

 

لكن هل تعلمون ما هو الجيد فى هذه القصة الرديئة؟!

 

هو أننا أمام سلطة تافهة صغيرة وجهولة تخاف من رسم جرافيتى على الجدار..

 

لم تدرك هذه السلطة أن الشخص القادر على قول لا على الحائط سيقول لا فى المظاهرة والاعتصام والإضراب. هذه السلطة الجهولة لم تستفد أى حرف من درس 25 يناير.

 

العقلية التى أصدرت قرار إزالة الرسوم هى نفسها التى أمرت بقطع الاتصالات والإنترنت أثناء الثورة متصورة أنها قادرة على هزيمة فكرة.. الأغبياء لا يقرأون التاريخ.

 

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي