أيهما أفضل: جيش قوى أم أموال كثيرة؟ - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأحد 21 سبتمبر 2025 9:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

أيهما أفضل: جيش قوى أم أموال كثيرة؟

نشر فى : الأحد 21 سبتمبر 2025 - 7:20 م | آخر تحديث : الأحد 21 سبتمبر 2025 - 7:20 م

أيهما أفضل أن يكون لديك كدولة جيش قوى، أم أموال وفيرة؟

السؤال ليس من وحى خيالى، بل ورد فى ثنايا مقال لحاييم ليفنسون فى صحيفة هاآرتس الإسرائيلية فى العاشر من سبتمبر الجارى يتحدث فيه عن تفاصيل العدوان الإسرائيلى على مقر إقامة قادة حركة حماس فى العاصمة القطرية الدوحة فى التاسع من شهر سبتمبر الجارى.

الفقرة فى مقال ليفنسون تقول: «قطر ليس لديها جيش ولن ترد بالقوة، لكن لديها المال وهذا الاختيار مثير، أيهما أفضل، جيش قوى أم مال لا ينضب، لدى قطر وسائل إعلام قوية، وقد جرى انقلاب صامت فى قناة الجزيرة مؤخرا؛ حيث تم تعيين أحد أفراد الأسرة الحاكمة مديرًا عامًا للقناة لإحكام السيطرة عليها، كما أن قطر لديها علاقات قوية مع الغرب وإمبراطورية رياضية ومطار محورى ووزراء أكثر ذكاء من نظرائهم فى إسرائيل».

مرة أخرى الفقرة السابقة بكاملها نقلتها نصا من مقال هاآرتس، وهى تأتى فى سياق تحليل الكاتب لنتائج الضربة، حيث يرى أن إحداها أن يتراجع دور قطر فى الوساطة لوقف النار لصالح زيادة الدور المصرى.

أعود لسؤال الكاتب الإسرائيلى، وأضيف إليه من عندى: «أم أن يكون لديك قوة شاملة تجمع بين قوة الجيش ووفرة الأموال وسائر أنواع القوة بما فيها القوة الناعمة؟!».

تقديرى أن طرح هذا السؤال صار جوهريا هذه الأيام ليس فقط فى منطقتنا حيث البلطجة الإسرائيلية السافرة، ولكن فى معظم بلدان العالم، ففى النهاية فإن القوة الخشنة وليست الناعمة هى من تحسم المعارك أولا.

تأملوا فى نماذج مما يحدث من أزمات فى عدد كبير من دول العالم وسوف تتوصلون إلى نفس النتيجة. العدوان الذى تشنه إسرائيل ضد الفلسطينيين فى غزة والضفة منذ عام ١٩٤٨، خصوصا بعد ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣، وعلى سوريا ولبنان واليمن وإيران وقطر، لا يتم بواسطة قواها الناعمة فى التكنولوجيا والزراعة وغيرها، بل بالأسلحة الفتاكة. إسرائيل لديها صناعة أسلحة متقدمة ولديها علاقات جيدة مع الغرب مما يتيح لها أيضا موارد مالية مختلفة، وبالتالى تجمع بين قوة الجيش وقوة المال إلى حد ما، إضافة إلى أنها تتمتع بغطاء مالى وعسكرى أمريكى غير مسبوق.

إسرائيل دولة معتدية واستيطانية، لكنها أيضا تمكنت عبر علاقتها مع أمريكا وأوروبا أن تضمن تفوقا نوعيا عسكريا على كل بلدان المنطقة، وبالتالى فإن هذا التفوق يضمن لها فرض تصوراتها السياسية أو على الأقل عدم التعرض للاعتداء من الآخرين، كما أنها تمتلك مئات الرءوس النووية مما يضمن لها ردع غالبية دول المنطقة والإقليم.

فى المقابل فإن دولا أخرى فى المنطقة تملك العديد من الفوائض المالية، وهو أمر مهم جدا لا شك لأنه يمكِّن من يملكه من شراء الأسلحة المختلفة ومن مصادر متعددة إضافة إلى أن هذه الفوائض يمكنها أن تساعد فى حشد التأييد والدعم من دول أخرى كثيرة، لكن نموذج العدوان الإسرائيلى الأخير على قطر يثبت أنه فى غياب امتلاك الجيش الوطنى القوى فإن كل أموال الدنيا لن تجعلك قادرا على حماية أرضك وبلدك وسيادتك واستقلالك.

أما إذا كنت تملك الجيش القوى والأموال الكثيرة والقوة الشاملة فلا أحد يستطيع أن يهددك والنموذج الباهر لذلك هو الولايات المتحدة والصين. وإلى حد ما روسيا- وإن كان اقتصاد روسيا ورغم مواردها الاقتصادية المتنوعة - ليس من الاقتصادات الكبرى، بل أقرب إلى دولة متوسطة. 

وحتى إذا كنت تملك كل القوى الناعمة من إعلام ورياضة وفنون، فإن ذلك لن يمنع الآخرين من الاعتداء عليك إذا كنت ضعيفًا عسكريًا. وبالطبع فالأفضل أن تجمع بين القوتين الخشنة والناعمة.

السؤال الذى قد يسأله الكثير من المصريين ومن أبناء المنطقة.. وما الذى منع إسرائيل من التحرش بمصر أو بتركيا حتى الآن؟!

الإجابة أن كلا البلدين يملكان جيشًا قويًا أنفقا عليه كثيرًا تحسبًا لمثل هذه الأيام.

سيسأل سائل، ويقول: ولكن إيران دولة قوية عسكريًا، بل ولديها قدرات صاروخية، ورغم ذلك تعرضت لضربة إسرائيلية أمريكية؟ والإجابة أن قوة إيران خصوصًا برنامجها الصاروخى هو الذى أوقف العدوان بعد ١٢ يومًا فقط، وإلا لكانت إسرائيل واصلت العدوان ودمرت إيران وأسقطت نظامها كما فعلت وتفعل فى فلسطين وسوريا ولبنان.

أظن أن ما يحدث هذه الأيام فى المنطقة من بلطجة إسرائيل يثبت صحة التوجه المصرى بامتلاك قوة عسكرية متنوعة تجعل الآخرين يفكرون أكثر من مرة قبل أن يرتكبوا أى تهور أو حماقة.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي