كتب مارك بارى مقالا تحليليا نشر على موقع «The Chronicle of Higher Education» تناول فيه كتابا لأستاذة علم الاجتماع أليس جوفمان عن الدولة الأمريكية البوليسية..
يستهل الكاتب المقال بالإشارة إلى كتاب أليس جوفمان الذى ينشر هذا الربيع، والذى تصف فيه أحوال سجون أمريكا من خلال قصة مجموعة من الأصدقاء فى أحد أحياء فيلادلفيا. وهى تستعرض أساليب التحقيقات التى يجريها رجال الشرطة فى الضاحية التى يسكنها الفقراء السود، حيث تعانى الفتيات والسيدات من تعرضهن لضغوط قاسية ومهينة من قبل رجال الشرطة للإبلاغ عن رجال تربطهن بهم علاقات.
ويسجل الكتاب كيف يعيد التوسع فى نظام العقوبات الأمريكى تشكيل حياة عائلات السود الفقراء التى تعيش تحت مراقبة الشرطة وحراس السجون وضباط الإفراج المشروط.
فمنذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، شددت الولايات المتحدة قوانينها بشأن المخدرات والجريمة العنيفة وزادت من وجود الشرطة فى شوارع المدينة. وارتفع عدد نزلاء المعتقلات والسجون الأمريكية خمسة أضعاف على مدى السنوات الأربعين الماضية. وهناك الآن ما يقرب من ستة ملايين شخص تحت رقابة العدالة الجنائية. وفى كتابها «هاربة» كتبت جوفمان «لم يشهد التاريخ الحديث ما يقارب هذه المستويات من الحبس العقابى سوى معسكرات العمل القسرى فى الاتحاد السوفييتى السابق فى عهد ستالين». وتصف الدراسة إلى أى حد يغير الخوف من السجن نظام العمل والصحة والحياة العائلية، مما يدفع الرجال إلى الابتعاد عن المؤسسات الرئيسية التى قد تضعهم فى مسار أفضل.
وكتبت جوفمان: «خلق التهديد بالحبس نسيجا اجتماعيا جديدا» مصنوعا من الشك وعدم الثقة والسلوكيات السرية المذعورة والتهرب وانعدام القدرة على التوقع. وأضافت «لقد حول الأحياء المغلقة إلى تجمعات للمشتبه بهم والهاربين».
وكانت جوفمان قد خضعت للتحقيق من قبل للإبلاغ عن أصدقاء يشاركونها السكن، وعندما هددها رجل الشرطة بتلفيق اتهامات جنائية لها إذا لم تستجب شعرت بالخطر. وطوال ست سنوات من العمل الميدانى استعانت جوفمان بخبراتها القديمة لترى الأمور بموضوعية.
•••
ويرجع بروس ويسترن، أستاذ علم الاجتماع فى جامع هارفارد، الاهتمام الشديد بكتاب جوفمان إلى أن البلاد شهدت خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية وحدها، ارتفاع معدلات سجن الشباب السود قليلى الحظ فى التعليم. ويقول إن حوالى 35 فى المائة من الذكور السود المتسربين من المدارس الثانوية تحت سن 40 وراء القضبان الآن، مقارنة مع معدل حبس 0.7 فى المائة بالنسبة للسكان ككل.
كما يرى أن كتاب جوفان يثير تساؤلات أساسية حول نظم العقوبات المصممة أصلا لتعزيز السلامة العامة وتحسين نوعية الحياة فى المجتمعات المحلية الفقيرة. بينما قد تمثل المؤسسات العقابية هزيمة للذات، وربما تسبب تكلفة اجتماعية مرتفعة للغاية. وترى جوفمان أن نظام العقوبات، أصبح وسيلة أمريكا لإدارة مشكلة الفقراء السود.
وقد تزايد تدخل نظام العدالة الجنائية، فى حياة العائلات السوداء منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضى. فعندما ارتفعت معدلات الجريمة فى شوارع المدن، والحملة الأمنية على المخدرات والعنف؛ شددت السلطات الاتحادية عقوبات بيع وحيازة المخدرات. كما شددت أيضا الأحكام فى جرائم العنف وزادت من نشر قوات الشرطة فى الشوارع.
•••
وكتبت جوفمان أن السياسات القاسية استمرت فى التسعينيات على الرغم من تراجع الجريمة والعنف.
وبموجب قانون «مراقبة جرائم العنف وإنفاذ القانون» الصادر عام 1994، تم النص على 50 جريمة اتحادية، وتدفقت المليارات لإنشاء أقسام وإدارات جديدة. كما تقول جوفمان إنه خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش: «مع إجماع الشرطة والقادة المدنيين على ضرورة اتباع سياسات قاسية لمواجهة الجريمة، تكاثرت الوكالات الفيدرالية والدولة البوليسية والوحدات الخاصة والمكاتب. وشددت هذه السياسات من العقوبات على جرائم العنف، كما شددت أيضا الأحكام على جرائم الدعارة والتشرد والقمار وحيازة المخدرات».
وتجاهلت الشرطة الأحياء المعزولة. بينما توسعت إدارات الشرطة الحضرية بشكل حاد فى النصف الثانى من القرن العشرين. وكما شهدت الشرطة تغيرا، تغيرت أيضا تجارة المخدرات. وسيطر على الأحياء الفقيرة تجار على مستوى مرتفع، وتشكلت ما يشبه الشركات ذات التسلسل الهرمى لتحمى العاملين فيها من الشرطة وممن قد يسرقونهم.
ولكن تجارة المخدرات، فى مواجة تكثيف تواجد الشرطة، تطورت إلى سوق أكثر تجزئة، يحمى فيه كل تاجر منتجه ببندقيته الخاصة. وبالنسبة للشباب المتورطين فى ذلك، صار بيع المخدرات أكثر اضطرابا، وعنفا، وتعريضا للمخاطر من الناحية القانونية.
وتزامنت الحملة على اقتصاد المخدرات مع إصلاح نظام الرعاية الاجتماعية، بتخفيض المساعدات للأسر الفقيرة. فتورط المزيد من الرجال السود فى تجارة المخدرات، وزاد عدد نزلاء السجون خمسة أضعاف فى الفترة بين السبعينيات وعام 2000.
وزاد عدد السوداء الخاضعين لنظام العدالة الجنائية اليوم عن عدد المستعبدين قبل الحرب الأهلية. وترى جوفمان أن الوضع بمثابة انتكاسة لما حققه الأمريكيون من أصل أفريقى فى حركة الحقوق المدنية.
•••
وترى جوفمان نظام العدالة الجنائية من منظور فقر السود. وكتبت «إن من يشاركون فى الصراع العنيف ومن يبيعون المخدرات جميعهم ضحايا بعضهم البعض». وقال «هناك مجتمعات فقيرة تؤدى بمن ينتهجون العنف واليأس إلى ما بين السجن والموت المبكر، ونحن بحاجة إلى ان نعتبر هؤلاء الناس من البشر، ونرى أن ما يحدث لهم أمر يمكن منعه».