بايدن وترامب بين استحقاقين - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 3:03 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بايدن وترامب بين استحقاقين

نشر فى : الإثنين 21 نوفمبر 2022 - 6:45 م | آخر تحديث : الإثنين 21 نوفمبر 2022 - 6:45 م

غير مكترث بصاعقة الانتخابات النصفية، ومتجاهلا نصائح مستشاريه، استبق الرئيس الأمريكى السابق، دونالد ترامب، منافسيه الجمهوريين المحتملين، ودشَن حملته لرئاسيّات العام 2024. وبخوضه غمارالماراثون الرئاسى للمرة الثالثة، يكون، ترامب، خامس خمسة رؤساء أمريكيين سابقين، يحاولون، عبثا، استعادة المكتب البيضاوى، فيما لم يفلح منهم سوى الديمقراطى، جروفر كليفلاند، عام 1892.
يروق لبعض مناهضى تلك الخطوة المثيرة، استحضار مقولة «فولتير»، الشهيرة: «الأولى تجربة.. والثانية ستكون انحرافا».
من جانبهم، وعلاوة على رد الاعتبار، والانتقام من خصومه، يعزو محيطون بترامب قراره المدوى، إلى توسله إعاقة صدور لائحة اتهام بحقه، على خلفية سوء تعامله مع وثائق سرية، إثر مغادرته البيت الأبيض فى يناير 2021. حيث ستتخوف وزارة العدل من أن يُفَسَر مضيها قُدما فى إدانة الرئيس السابق، باعتباره ذريعة لإبعاده عن السباق الرئاسى المنتظر. فيما يعد تسييسا للقضاء.
عنيفة هى الهزة، التى ضربت شعبية، ترامب، داخل الحزب الجمهورى، على وقع زلزال انتخابات منتصف الولاية، التى كانت الأكثر كلفة، من نوعها، بإجمالى إنفاق ناهز 17 مليار دولار. فلقد تمخضت عن خيبة أمل جمهورية، عصفت بمزاعم «الموجة الحمراء»، التى روج لها الرئيس السابق. إذ احتفظ الديمقراطيون بغالبيتهم الضئيلة فى مجلس الشيوخ، بينما اقتنص الجمهوريون غالبية هشّة فى مجلس النواب.
فاقمت فاجعة الانتخابات النصفية الأخيرة، من تأزم الأوضاع داخل الحزب الجمهورى. فبعدما أخفق «مرشحو ترامب»، فى انتزاع أغلبية كاسحة على مستوى الهيئة التشريعية والولايات، اتهمت بعض الرموز الجمهورية، الرئيس السابق، بتغليب الاعتبارات الشخصية على المعايير الموضوعية فى اختيار مرشحين يمينيين. لا يمتلكون من أسباب الفوز بالانتخابات، سوى الولاء لشخصه، وتأييد ادعاءاته المتعلقة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020. بدوره، أرجع، مايك بنس، النائب السابق للرئيس ترامب، هزيمة مرشحى الأخير، إلى انحسار شعبيته، بين أنصارالحزب الجمهورى والمستقلين، إلى 39%، بجريرة تنمره على سياسيين جمهوريين بارزين مثل؛ دى سانتيس، حاكم فلوريدا، وميتش مكونيل، زعيم الأقلية بمجلس الشيوخ. علاوة على معاودته التشكيك فى نزاهة الانتخابات النصفية الأخيرة، بعد الانتكاسة التى مُنى بها مرشّحوه خلالها، مثلما فعل عقب هزيمته فى الانتخابات الرئاسية الماضية. ما أفقد الجمهوريين أغلبية مجلس الشيوخ، إثرتعرضهم لموجة تصويت عقابى، من لدن الناخبين المستقلين والجمهوريين المعتدلين.
بينما ألقى، ترامب، بمسئولية الصدمة الانتخابية، على، ميتش ماكونيل، الذى اتهمه بإهدار أموال طائلة لهزيمة مرشحين جمهوريين بدلا من دعمهم. تنامت الشكوك فى حدود هيمنة الرئيس السابق على الحزب الجمهورى وقواعده الانتخابية، كما قدرته على جذب أصوات ناخبين مستقلين خلال الاستحقاق الرئاسى المرتقب. وطالبت، قيادات جمهورية، بألا يستمر، ترامب، واجهة للحزب الجمهورى، أو يمثله فى الانتخابات الرئاسية المرتقبة. بعدما ألحق به الخسائر فى استحقاقات ثلاثة متتالية، حتى فقد أغلبية مجلسى النواب والشيوخ، والبيت الأبيض خلال عامين، كان ترامب، خلالهما، رئيسا ومرشحا رئاسيا. وأظهرت نتائج استطلاع للرأى، أجرى أواخر يوليو الماضى، رفض 57% من الجمهوريين المستطلعين، ترشح، ترامب، فى انتخابات 2024. وحذر مسئولون فى الحزب، من أن يتمخض ذلك عن توقف دعم اللجنة الوطنية الجمهورية لدفع فواتيره القانونية، بما يزيد من صعوبة جمع التبرعات لحملة الحزب الرئاسية. فضلا عن تحفيز منافسيه الجمهوريين كمثل؛ نيكى هايلى، مندوبة واشنطن السابقة لدى الأمم المتحدة، وحاكم فلوريدا، رون دى سانتيس، ونائب ترامب السابق، مايك بنس، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، لخوض السباق الرئاسى المقبل. ورغم عدم ابتعاد ثلاثتهم عن «الترامبية»، وشعار «جعل أمريكا عظيمة مجددا»، إلا أنهم يريدون تطبيقها، بآليات وأساليب مغايرة.
دفع زلزال الانتخابات النصفية بمراقبين كُثر، للاعتقاد فى وصول الخلافات داخل الحزب الجمهورى، إلى حد وجود جبهة مناهضة لترامب، بقيادة؛ ميتش ماك كولين، ولينزلى جرام. حيث تعمل على تجنب تكرار سيناريو هزيمة الجمهوريون فى الانتخابات النصفية عام 2018، بخسران 41 مقعدا؛ أفقدتهم أغلبية مجلس النواب، كما حرمتهم ولاية رئاسية ثانية. ولا يستبعد خبراء، نزوع الدولة الأمريكية العميقة، التى تحرك التفاعلات السياسية الداخلية، من وراء حجاب، إلى إزاحة ترامب و«الترامبيين» من المشهد السياسى الأمريكى. ويستشهدون بإقدام المحكمة العليا، قبيل الانتخابات، على إلغاء حق دستورى فى الإجهاض، امتد قرابة نصف قرن. الأمر الذى أثر، سلبا، على فرص جُل مرشحى ترمب فى الانتخابات النصفية.
تجلى أكبر فوز للجمهوريين منذ أربعة عقود، فى إعادة انتخاب حاكم فلوريدا، رون دى سانتيس، ذى الأربعة وأربعين عاما، بأغلبية ساحقة، وفارق 20 نقطة عن منافسه الديمقراطى، بمقاطعة، ميامى دايد، التى كانت تقليديا معقلا للديمقراطيين. فبذلك أثبت، دى سانتيس، مكانته كنجم جمهورى صاعد، يعزز طموحات حزبه فى العودة للبيت الأبيض بعد عامين. وتبارت وسائل الإعلام فى وصف، دى سانتيس بـ«الوجه الجديد للحزب الجمهورى»، و«مستقبل الحزب»، و«المستقبل»، و«زعيم الحزب الجمهورى الجديد». ما يؤهله لانتزاع دعم قادة الحزب التقليديين، والمانحين الكبار، والناشطين المحافظين، فى سباق الانتخابات الرئاسية 2024.
يأمل أنصار، دى سانتيس، أن تعرقل نتائج الانتخابات النصفية، كما تحديات قضائية، تحاصر، ترامب، من قبيل؛ تحقيقات بشأن أنشطة شركاته، ضلوعه فى تدبير مخطط لإفساد الانتخابات الرئاسية وعرقلة عملية نقل السلطة، اقتحام أنصاره الكونجرس يوم 6 يناير 2020، واحتفاظه بسجلات سرية فى مقر إقامته بفلوريدا، مساعى، الرئيس السابق، لخوض الاستحقاق الرئاسى لعام 2024. وقد أظهر استطلاع للرأى، أجرته شبكتا «إيه بى سى نيوز»، و«إبسوس»، فى شهر أكتوبر الماضى، تفوق، دى سانتيس، على ترامب، لجهة الأهلية لتمثيل الحزب الجمهورى. حيث ارتأى 72% من الجمهوريين المسجلين، جدارة، دى سانتيس، لقيادة الحزب، مقابل نحو 64% لترامب. أما أعضاء الحزب الديمقراطى، فيظنون أن دى سانتيس، سيكون منافسا أفضل لأنه، وخلافا لترامب، لن يهدد أسس الديمقراطية الدستورية فى أمريكا. وإن اعتقد خبراء، أن كليهما يمينيان متطرفان، ولا توجد فجوات أيديولوجية شاسعة بينهما. فقد يعمل، دى سانتيس، على إضعاف الديمقراطية الليبرالية الأمريكية، ولكن من داخل النظام القانونى والسياسى القائم، الذى يناهضه ترامب.
رغم أن دى سانتيس، لم يحسم أمر ترشحه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما لا يزال هناك عام ونصف العام أمام منافسات الترشح التمهيدى، يظل، ترامب، متمتعا بشعبية عريضة لدى القاعدة الحزبية، تجعله خصما عنيدا لأى منافس جمهورى. ورغم خيبة أمله فى الانتخابات النصفية، لايزال الرئيس السابق، يراهن على تكرار سيناريو العام 2020، عبر انتزاع دعم مطلق من القواعد الحزبية التقليدية، بمتشدديها ومتطرفيها، يوصد بدوره الأبواب أمام ظهور أى منافسين جمهوريين فى الانتخابات التمهيدية.
وفى بيان مطول، انتقد ترامب، مراوغة حاكم فلوريدا، محذرا إياه ضمنا، من الترشح للرئاسة. وقلل، ترامب، من شأن تلميذه السياسى السابق، الذى اعتبره حاكم ولاية عاديا، وسياسيا خفيف الوزن، يفتقر إلى الولاء. وبعدما نسب إلى نفسه الفضل فى فوزه بولاية فلوريدا، سخر منه عبر تسميته «ديسانتمونيوس».
فى المقلب الآخر، يعانى الحزب الديمقراطى، صراعات مقلقة بين أجنحته المعتدلة والمتشددة. فيما هوت شعبية الرئيس، بايدن، الذى أدرك عامه الثمانين، إلى 36٪، فى أدنى مستوى لها منذ 19 شهرا. بينما أبدى 59٪ من الأمريكيين عدم رضاهم عن أداء الرئيس، الذى تتعاظم المطالبات بعدم ترشحه لولاية جديدة. ويعزو خبراء تراجع شعبية، بايدن، إلى؛ بلوغ التضخم نسبة 9.1٪، مسجلا أعلى مستوى له خلال 40 عاما، وتفاقم أزمة المهاجرين اللاتينيين. لكن الرئيس الديمقراطى يرى أن أداء حزبه فى الانتخابات النصفية، كان الأفضل منذ عهد كينيدى. ما يعتبره دليلا على صحة وسلامة نهجه، كما يفند تحفظ الكثيرين على قرار، لم يتخذه بعد، بشأن ترشحه لولاية رئاسية ثانية عام 2024.
أججت نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة، أجواء الاستقطاب السياسى الحاد فى البلاد. فقد شن، ترامب، هجوما عنيفا على غريمه، بايدن، مسلطا الضوء على التضخم، وارتفاع الأسعار، وأزمات الهجرة غير النظامية. كما اتهمه بتسييس مكتب التحقيقات الفيدرالى، توخيا لإبعاد، الرئيس السابق، عن منافسته فى انتخابات 2024. أما، بايدن، فاتهم، ترامب، بخذلان الأمريكيين، جراء تدليله المتطرفين، وتحريضه الجماعات العنيفة فى السادس من يناير 2021، على تقويض ديمقراطية الأمة. وقد كشف استطلاع رأى، أجرته جامعة كوينيبياك، فى يونيو الماضى، وشمل 72% من الناخبين الديمقراطيين والجمهوريين المسجلين، عن تعاظم المخاوف، من احتمالات انهيار الديمقراطية الأمريكية، على وقع ذلك الاستقطاب المقيت، الذى ينال من صدقية وجاذبية نموذجها البراق، محليا وعالميا.
غير بعيد عما اعتبرته دورية «فورين أفيرز»، الأمريكية، فى عددها الأخير، «عصراللايقين»، فى السياسة الأمريكية. أفصحت نتائج استطلاع للرأى، أجرته كوكبة من المؤسسات البحثية الأمريكية، أواسط الشهر المنقضى. عن عدم تقبل ما يربو على 60% من الأمريكيين، ترشح الرئيس الحالى، بايدن، أو سلفه، ترامب، لخوض الماراثون الرئاسى القادم. ذلك الذى سيناهز عمرالأول، وقت إجرائه، 82 عاما، فيما سيعبر الثانى عامه الثامن والسبعين. فى السياق ذاته، أطلقت نتائج انتخابات نصف الولاية، العنان لسطوع نجوم سياسية ونماذج قيادية واعدة، على مستوى الحزبين الجمهورى والديمقراطى. أولئكم الذين يعول عليهم مراقبون كُثُر، فى ضخ دماء جديدة بشرايين المشهد السياسى المتيبس، وتجنيب الناخبين معاناة المفاضلة اليائسة، بين بايدن أو ترامب.

التعليقات