قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية فى يناير عام 2006، أدرك الرئيس الفلسطينى محمود عباس «أبو مازن» أن حركة فتح الحاكمة فى أسوأ أحوالها وأن حركة حماس المعارضة سوف تكتسح الانتخابات. أبومازن قرر أن يؤجل الانتخابات وقتها، وربما اعتقد ان أمريكا وإسرائيل سوف يؤيدانه أو على الأقل لن يعارضاه.
لكن المفاجأة كما سمعتها من ابومازن شخصيا قبل أسابيع انه فوجئ بتهديد أمريكى غير مسبوق يدعوه إلى إجراء الانتخابات فى موعدها، والأغرب أن إسرائيل التى تتفنن فى نفى الوجود الفلسطينى فى القدس المحتلة سارعت بالموافقة على تصويت أبناء المدينة القديمة فى الانتخابات.
أجريت الانتخابات وفازت حماس «76 مقعدا مقابل 43 لفتح»، وشكلت الحكومة ثم انقلبت على السلطة الفلسطينية وأبومازن واستقلت عمليا بقطاع غزة فى شهر يونيو 2007.
لا ينكر إلا جاحد أو حاقد أو أعمى الدور المهم الذى لعبته حركة حماس فى مقاومة الاحتلال الصهيونى العنصرى والضربات الموجعة التى وجهتها الحركة للاحتلال، رغم ان البعض يزعم ان الاحتلال لم يمانع عمليا فى تأسيس الحركة فى شهر ديسمبر عام 1987، مراهنا على انها سوف تصطدم بحركة فتح وبقية المجتمع الفلسطينى لاحقا.
لا يعلم النوايا إلا الله، لكن على أرض الواقع وبعد انفصال حماس بغزة عن السلطة الفلسطينية بالضفة وبغض النظر عمن هو المسئول فإن الفائز الوحيد كان العدو الصهيونى.
بطبيعة الحال حركة فتح ليست مجموعة من الملائكة ولولا أخطاؤها وترهلها ما وصلت حماس للسلطة، لكن وفى التحليل الأخير فإن الطريقة التى تصرفت بها حماس منتصف عام 2007 ورفضها لكل مبادرات الصلح مع فتح أعطى الاحتلال أفضل حجة للاستمرار فى مخططه الاستيطانى ودفن القضية الفلسطينية.
السبب ببساطة ان إسرائيل التى لم تمانع وصول حماس للسلطة أو فى انفصالها بغزة لم تسمح لأبومازن أن يتصالح مع الحركة.
وانتهى الأمر إلى تحويل حماس إلى الشماعة التى تمنع التوحد الفلسطينى وتجهض أى محاولات للتسوية.
رغم كل نوايا وشعارات حماس الطيبة، فهى عمليا توقفت عن المقاومة والاطرف انها صارت تمنع الفصائل الأخرى من إطلاق الصواريخ لأن ميزان القوى شديد الاختلال كما كانت فتح تفعل معها بالضبط قبل الانقلاب.
لم تدرك حماس ان إسرائيل تستخدمها مرة لإجهاض التسوية ومرة فى ابتزاز «فتح»، ومرة لتهديد مصر عبر الفصائل المسلحة أو الإرهابية فى سيناء.
قد يسأل سائل وما هو الجديد فى كل ما سبق، وبعضه صار تاريخيا؟!.
الجديد ببساطة أن أمريكا وإسرائيل يعتقدان أن الوقت حان ليجينا ثمار ما زرعاه. ولذلك بدآ يضغطوان بكل ما يملكان من قوة على الرئيس الفلسطينى أبومازن عبر جون كيرى ليقبل حلا يحقق لإسرائيل ما عجزت عنه طوال عشرات السنين.
فى تقدير واشنطن وتل أبيب فإن اللحظة الراهنة مثالية، فالبلدان العربية المؤثرة صارت مشغولة بأوضاعها الداخلية الملتهبة.
مصر غارقة فى هموم إنجاح خريطة الطريق وسوريا غارقة فى حرب أهلية، والعراق يحلم بالعودة ولو لأيام صدام حسين، ولبنان مهدد بتفكك أكثر، وليبيا منقسمة والسودان انقسم والخليج يخشى إيران وقنبلة الشيعة وخطر الإخوان أكثر مما يخشى إسرائيل.
الرهان الأمريكى الصهيونى ان الفلسطينيين عليهم ان يقبلوا بأقل القليل الآن، لانهم صاروا عرايا، ومنكشفين، وحماس هى المرشحة لتكون كبش الفداء لأى تسوية محتملة سواء كانت التسوية جيدة أم رديئة