سوء التغذية فى مصر والعالم العربى! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 يناير 2025 4:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوء التغذية فى مصر والعالم العربى!

نشر فى : السبت 21 ديسمبر 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : السبت 21 ديسمبر 2024 - 6:55 م

خلال الأسبوع الماضى أصدرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة والمعروفة باسم الـ(فاو) تقريرها الإقليمى السنوى الخاص بحالة سوء التغذية والأمن الغذائى فى الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. وقد جاءت نتائج هذا التقرير - الذى تصدره المنظمة التى تتخذ من روما مقرا لها والمدعوم من عدة منظمات دولية أبرزها منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وبرنامج الغذاء العالمى - صادمة ومعبرة عن تدهور كبير فى مؤشرات الأمن الغذائى فى الدول العربية.
هذا التقرير الإقليمى والذى يصدر سنويا منذ عام ٢٠١٥، كان إصداره فى عام ٢٠٢٤ يحتوى على أكثر من ١٨٠ صفحة متناولاً العديد من الجداول والرسوم البيانية التى توضح خطورة الأمر فى دول المنطقة، وخاصة فى تلك الدول التى تشهد صعوبات اقتصادية أو نزاعات عسكرية، والتى بدورها تؤثر على إمدادات الغذاء وأسعاره، ناهينا طبعا عن مدى تمتع هذه المنتجات الغذائية بالتنوع المطلوب لتوفير الطاقة والصحة للمواطنين والمواطنات!
قبل أن أتناول بعض أهم نتائج هذا التقرير الإقليمى، يجب الإشارة أن الفاو لا تصدر فقط تقارير خاصة بمنطقتنا العربية، ولكنها تصدر تقارير إقليمية متعددة، بالإضافة إلى تقريرها السنوى عن حالة الأمن الغذائى عالميا. وقد صدر التقرير العالمى لهذا العام فى الصيف الماضى وكان من أهم بياناته المفزعة أن هناك ٧٣٣ مليون شخص يواجهون خطر المجاعة فى العالم وهو ما يمثل نحو ٢٩٪ من سكان كوكب الأرض! بعبارة أخرى، فكل ثلاثة أشخاص فى هذا العالم بينهم واحد/ واحدة يواجه خطر المجاعة! وقد أظهر هذا التقرير أن خطر المجاعة ارتفع على المستوى العالمى بشكل كبير منذ انتشار الجائحة ولم تتغير الأرقام بعد انتهائها وحتى اللحظة! ووفقا لهذا التقرير فقد شهدت أفريقيا أعلى معدلات متعلقة بعدم الأمن الغذائى تتراوح بين الحادة والمتوسطة يليها فى ذلك أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى!
من ضمن بعض المؤشرات الإيجابية القليلة جدا التى جاء بها هذا التقرير، كان انخفاض الهوة بين الذكور والإناث عالميا فيما يتعلق بمعدلات عدم الأمن الغذائى حيث بلغت هذه الهوة ٣.٦٪ عام ٢٠٢١ وانخفضت إلى ١.٣٪ عام ٢٠٢٣!
• • •
بالعودة إلى تقرير الفاو بخصوص المنطقة فمن بين عشرات البيانات لفت نظرى خمسة، أوجزها على النحو التالى:
أولا: بلغ متوسط نقص التغذية - والذى يشير إلى سوء التغذية بشكل عام مع التأكيد على نقص الطعام بشكل محدد - فى العالم العربى فى الفترة بين ٢٠٢١-٢٠٢٣ ١٤٪ مرتفعا بنسبة بلغت ٠.٦٪ عن عام ٢٠٢٢، وهو ما يعنى أن هناك نحو ٦٦ مليون مواطن ومواطنة فى العالم العربى يعانون من نقص/سوء التغذية بزيادة ٤ ملايين عن عام ٢٠٢٢. فى هذا الإطار سجلت الصومال أسوأ المعدلات بنسبة فاقت الـ٥٠٪ (أى إن أكثر من ٥٠٪ من سكان الصومال يعانون من نقص الغذاء)، وتليها اليمن بمعدل اقترب من ٤٠٪ ثم سوريا بمعدل بلغ نحو ٣٥٪! أما أقل النسب لنقص التغذية فقد كانت فى الإمارات والسعودية وتونس والجزائر وجميعها جاءت تحت نسبة الـ٤٪. أما فى مصر فقد بلغ معدل نقص التغذية فيها نحو ٨.٥٪ وهى نسبة معقولة مقارنة بباقى الدول العربية، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا المعدل تدهور فى مصر بنحو ٢٪ مقارنة بالفترة من ٢٠١٤ وحتى ٢٠١٦. كذلك فيجب ملاحظة أن التقرير لم يذكر بيانات قطر والكويت والبحرين دون إبداء الأسباب.
• • •
ثانيا: فيما يتعلق بمتوسط عدم الأمن الغذائى - وهو مصطلح يشير إلى نسبة من شعروا فى فترات زمنية على مدار العام (أو فترة الدراسة) بعدم القدرة على الحصول على الغذاء أو أنهم حصلوا على الغذاء بمعدلات أقل من المعتاد لهم - فقد بلغت متوسطات هذه النسبة فى الفترة بين 2021-2023 معدلات مخيفة فى الصومال وجزر القمر (نحو ٨٠٪)، واليمن (نحو ٧٣٪)، وموريتانيا (نحو ٦١٪)، أما أفضل هذه النسب فقد جاءت فى الكويت (نحو ٨٪)، والإمارات (١٠٪). وقد بلغت هذه النسبة نحو ٢٩٪ فى مصر! ولتقييم هذه النسبة يمكن مقارنة مصر بمجموعة الدول التى تتقارب معها فى الدخول (تصنف مصر بين الدول ضعيفة إلى متوسطة الدخول)، فى هذا السياق، كان متوسط عدم الأمن الغذائى فى مصر أعلى من موريتانيا وجيبوتى وجزر القمر ولبنان، ولكنه أقل من تونس والجزائر. ومع ذلك، يجب هنا التنويه أيضا أن هذه النسبة فى مصر تدهورت مقارنة بمتوسطها فى عام ٢٠١٤-٢٠١٦ بنحو ١.٥٪.
• • •
ثالثا: فيما يتعلق بمعدلات الوزن الزائد بين الأطفال أقل من خمس سنوات فى العالم العربى عام ٢٠٢٢ فقد بلغت ٢٨٪ فى ليبيا، تليها مصر وتونس (حوالى ١٨٪)، ثم سوريا نحو ١٣٪. وبالمقارنة بعام ٢٠١٢، فإن معظم الدول العربية شهدت نسب أعلى فى زيادة وزن الأطفال، وكانت هذه الزيادة فى مصر نحو ٣٪، حيث كانت نسبة الأطفال أصحاب الوزن الزائد حوالى ١٥٪ فقط فى ٢٠١٢! هذا وتجدر الإشارة أن الوزن الزائد عند الأطفال ينتج من سوء التغذية والعادات الخاطئة فى الأكل والحصول على وجبات غير متكاملة وغير صحية!
• • •
رابعا: أما فيما يتعلق بنسبة السمنة المفرطة بين الأشخاص البالغين (١٨ عاما أو أكثر) فقد شهدت معظم الدول العربية معدلات مرتفعة كان أكبرها على الإطلاق فى مصر بنسبة تقترب من ٤٤٪، تلتها قطر بنسبة ٤٣٪ ثم الكويت بحوالى ٤٢٪، بينما كانت جيبوتى أقل دولة عربية فى معدلات السمنة المفرطة بين البالغين/البالغات حيث بلغت هذه النسبة ١٣٪. ومرة أخرى علينا التذكير بأن السمنة هنا لا تدل على الصحة أو الـ«عز» ولكنها مؤشر خطير على سوء التغذية وعدم ممارسة الرياضة وبشكل عام على حياة غير صحية تهدد أصحابها بالكثير من الأمراض! كذلك فعلينا الانتباه بأن هذه النسبة فى مصر عام ٢٠١٢ كانت ٣٧٪، أى إن نسبة السمنة المفرطة فى مصر زادت بنسبة ٨٪ تقريبا وهى زيادة مقلقة بلا شك.
• • •
خامسا: قدم التقرير كذلك بعض البيانات الخاصة بقطاع غزة وكما هو متوقع فكلها بلا استثناء بيانات كارثية، فحتى يونيو الماضى أوضح التقرير أن كل سكان غزة يعانون من خطر المجاعة وأن أكثر من مليون غزاوى وغزاوية فى طريقهم لأمراض قاتلة بسبب سوء التغذية والنقص الحاد فى الدواء وأدوات النظافة وغيرها، فى ظل العدوان الإسرائيلى المستمر لمدة ١٤ شهرا بلا توقف!
• • •
قدم التقرير عدة تحليلات لهذه البيانات المقلقة فى العالم العربى سواء بسبب التغير المناخى، أو الحروب الأهلية والصراعات المسلحة أو التدهور الاقتصادى وزيادة الأسعار بشكل يجعل من كلفة أبسط الوجبات للمواطن العادى عبئا مستمرا لا يستطيع أن يتحمله فى الكثير من الأحيان! كذلك قدم التقرير الكثير من التوصيات لتحسين أنظمة الغذاء فى منطقتنا العربية، وهى توصيات تحتاج إلى تعاون مستمر بين المنظمات الدولية المعنية وحكومات الدول العربية والمنظمات غير الحكومية الحقوقية، وتلك التى تعمل فى حقل التنمية!
عندما لا تحصل على غذاء كاف أو غير صحى أو غير متوازن ومتنوع فإنك لا تملك الطاقة اللازمة للتفكير أو للعمل والإنتاج، ناهينا عن الإبداع والتطوير! وكذلك فأنت عرضة للكثير من الأمراض التى تؤثر بدورها على حيويتك وقدرتك على المساهمة الفعالة فى المجتمع! هذا هو وضع البالغين/البالغات، أما إذا ما نظرنا إلى وضع الأطفال فإن سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائى يعنى تدمير أجيال قادمة. لن تستطيع أن تبنى أو تفكر. أو تطور من بلادها!
الأمر ليس مجرد مجموعة من البيانات، ولا هو مجرد تعبير عن مشاكل هامشية، لكنه تهديد للأمن القومى بمعناه الأوسع، فعلى صناع القرار والمهتمين بمستقبل بلادنا الاهتمام!

 

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر