كان الله فى عون سكان المنطقة المحيطة بوزارة الداخلية أو العاملين فيها وحولها. تحدث كثيرون وكتبوا عن عذاب المترددين على المنطقة، لكن أن تعيش فيها فهو امر مختلف.
عشت فى فيصل والهرم 18 عاما، وكنت أقول لأصدقائى مازحا إن الله إذا رضى عن عبد من عباده العاملين بالصحافة أخرجه من فيصل وأسكنه فى وسط البلد. وتحقق ذلك لى بالفعل قبل ثلاث سنوات وتصورت أننى ودعت للأبد عذاب ميكروباصات فيصل «الفولكس» و«تكاتك» المساكن وغتاتة سائقيهم.
فجأة وجدت مكان سكنى فى بؤرة الأحداث، وبعد ان «دخت» لأسابيع كى اعيد توصيل الغاز الطبيعى للشقة، وجدت غاز الداخلية «الجديد» يدخلها دون تقديم أى طلب، ويهدد حياة أطفالى الصغار بمن فيهم طفلة رضيعة.
المسافة من البيت لـ«الشروق» بالمهندسين لم تكن تستغرق أكثر من عشر دقائق صباحا. بعد أحداث شارع محمد محمود فى نوفمبر الماضى سدت الداخلية الشارع. وبعد أحداث مجلس الوزراء تم سد شارع قصر العينى، وبعد أحداث بورسعيد تم سد شوارع نوبار والفلكى والجندى وفهمى.
سكان هذه المنطقة صار لزاما عليهم كى يصلوا لميدان التحرير إما يمرون من خلف الجدار الموجود بشارع قصر العينى بمحاذاة السفارة البريطانية بجاردن سيتى وصولا للكورنيش الذى صار اتجاهين، وهو مشوار صار مزعجا وثقيلا، وإما أن يسلكوا حارات جانبية فى عابدين وصولا لباب اللوق ومنها إلى التحرير.
إغلاق الشوارع جعلنى اكتشف منطقة سوق الاثنين الناصرية وحارة السقايين ومؤنس أفندى ونصرة والمنطقة الواقعة خلف عابدين، لكن وقت المشوار تضاعف ثلاث مرات، وفى رحلة العودة يكون العذاب مضاعفا لكثرة المحال التجارية والمقاهى والهواية المصرية الأصيلة التى تجعل شخصا ما يقرر فجأة أن يسير عكس الاتجاه فى شارع أو حارة لا تتسع إلا لسيارة صغيرة أو تكتك! وعلينا ان نتخيل رحلة العذاب اليومية لتلاميذ المدارس وأولياء أمورهم.
فى معظم المرات وكلما تعقد المرور يصب سائق التاكسى جام غضبه على الثورة والثوار، لكن معظمهم ــ وبعد نقاش ــ صار تقليديا، يغير رأيه فى نهاية الرحلة.
قد يكون البعض تفهم تقوقع وزارة الداخلية على نفسها أثناء الأحداث مباشرة، لكن ما هو المبرر الآن لاستمرار إغلاق الشوارع بعد ان هدأت الأوضاع تقريبا.
بالطبع فإن نقل الوزارة إلى مكان بعيد هو حل عبقرى، لكنه سوف يستغرق وقتا، وإلى أن يحدث ذلك فعلينا أن نفكر فى حل يريح سكان المنطقة.
مبدئيا على وزارة الداخلية الايمان بأن إغلاق الشوارع لن يحل المشكلة لأن المتظاهرين صاروا يلتفون على الإغلاق ووصلوا أكثر من مرة لمجلسى الشعب والوزراء قادمين من المنيرة والسيدة زينب وشارع قصر العينى.
لا أحد يوافق على أى محاولة لاقتحام أو محاصرة وزارة الداخلية أو أى منشأة شرطية لأنه لن يقوده إلى نتيجة، بل يسىء إلى الثورة والثوار وبالتالى فأحد الحلول أن تتعهد القوى الثورية بعدم التظاهر والاعتصام أمام الوزارة مباشرة وتكتفى بميدان التحرير.
تستطيع وزارة الداخلية أن تفتح شارع قصر العينى على الأقل الآن وهو بعيد تماما عن مقرها، على أن يكون هناك تأمين كاف لمجلسى الشعب والوزراء، وفى المرحلة التالية تفتح شارعى منصور ونوبار.
البلوكات والدشم والاسلاك الشائكة والسواتر الرملية قد توفر أمنا وقتيا لكنها لا تشترى الأمان الدائم، وحتى الكيان الصهيونى المشغول دوما بالهوس الأمنى لم يستطع أن يمنع العمليات الاستشهادية.
اقناع الشعب بأن الشرطة فى خدمته والخروج من عقلية «الجيتو» هو الذى يوفر الأمن وليس الجدران الأسمنتية.