أفلامنا ضائعة ويجب أن نستعيدها ممن استولوا عليها بزعم الشراء، والتراث الإنسانى الفنى لا يشترى ولا يباع، لكننا أضعناه، ولولا اليوتيوب لضاع أكثر، وبالنسبة لهواة وعشاق السينما فإنهم يتنسمون الأفلام بأى وسيلة، وموضوع فيلم اليوم «أنا وابن عمى» إخراج عبدالفتاج حسن عام 1946، يفرض مشاهدة بشكل خاص، صوت بدون صورة، وهذا بالطبع أقرب إلى النكتة أو الدعابة، لكن ماذا نفعل سوى أن نتذكر السنوات التى كانت الإذاعة تقوم بتقديم برنامج أسبوعى باسم «من الشاشة إلى الميكرفون» تقديم سامية عبدالمجيد، وأيضا البرنامج الذى كان يقدمه إمام عمر باسم شاشة السينما فى إذاعة الشرق الأوسط لسنوات.
طبعا بالنسبة للفيلم الذى نقدمه اليوم فهو ضائع أو متحلل، هو حتى الآن غير متوفر على اليوتيوب، لكن التعرف عليه مهم للغاية، فنحن لم نشاهد أنور وجدى فى تلك الفترة بعيدا عن ليلى مراد؛ حيث أحاط بها بقوة، وفى فيلم اليوم يلتقى مع عقيلة راتب التى عملت معه أيضا فى «طلاق سعاد هانم»، والفيلم الذى نتحدث عنه هو واحد من أبرز أفلام الأربعينيات بما يعنى أنه عليك أن تتعرف على أنور وجدى بلا توهج، مثل المرحلة التى وجد فيها فريد شوقى فى السينما بدون هدى سلطان، فالزواج من امرأة مثل ليلى مراد أو هدى سلطان أكسب كل ممثل منهما قيمة، ونقله إلى مرحلة تالية، فكم رأينا وجدى فى دور الوغد، أو الابن الأرعن، ولهذا السبب فإنه بمجرد زواجه من ليلى مراد تحول إلى مخرج وكاتب سيناريو أفلام لها قيمتها منها على سبيل المثال «غزل البنات؟ عام 1949، وأغلب الظن أن فيلم «أنا وابن عمى» ينتمى إلى مرحلة ما قبل «ليلى بنت الفقراء» وأن الفيلم تأخر عرضه، رغم أن المخرج عبدالفتاح حسن هو واحد من أنشط مخرجى الأربعينيات، إلا أن أغلب أفلامه اختفت ولا يعلم أحد عنها شيئا، والفيلم الذى نتحدث عنه يعكس بقوة كيف كانت السينما المصرية تفكر فى تلك الحقبة من الزمن، هو من تأليف أكثر كتاب السيناريو تواجدا، وهو بديع خيرى، بما يعنى أنه عزف على تلك الوتيرة كثيرا إلا وهى علاقة الحب التى ربطت بين حبيبين من مستويين اجتماعيين متباعدين، حتى وإن كان ذلك بين الأخوة فى أسرة واحدة، فالشاب حسين يعانى من تعامل عمه الثرى معه بازدراء شديد، باعتبار أن والد حسين هو الذى مات فقيرا معدما، ولم يترك لابنه ما يمكنه أن يعيش فى مستوى أفضل، ويعمل حسين، الذى تخرج لتوه فى كلية الطب البشرى، مضطرا لدى عمه الثرى، فى الوقت نفسه الذى يحب ابنة عمه ويطلب يدها من ابيها، فيرفض الأب بشدة، ويطرد ابن أخيه من العمل بعد أن تطاول عليه، وتقف الأم هنا مصدومة إزاء ما يحدث، أما الفتاة هدى فإنها تتخذ موقفا إيجابيا حين تعلن لأبيها أنها أخطات مع ابن العم، وهنا تنحنى سلطة رأس المال بقوة أمام الشرف، ويقبل الأب، وهو أيضا العم للشاب، على فكرة الزواج، وذلك فى فكرة تم تداولها كثيرا فى السينما لسنوات طويلة من أشهرها فيلم البحث عن فضيحة عام 1972.
يخلو هذا النوع من الأفلام من الصراعات المعقدة فليس هناك صراع حقيقى بين الشخصيات والحبيبة هدى تصر على تنفيذ خطتها من أجل الحصول على ابن عمها، وعندما يصاب حسين بالمرض، فإنها تتنكر فى زى ممرضة وتتولى رعايته بادعاء أنها فتاة تسمى زينب وليس من الصعب اكتشاف الحقيقة، ولذا فإننا ننظر إلى رفض العم للزواج على أنها تمثيلية مصطنعة، أما حسين فإنه يعيش قصة حب مع الممرضة المزعومة التى تقول له: قد إيه إنت مش عارف إنت عزيز على، فيرد لها بكلمات كالشعر وهو يثنى عليها: ممكن قلبك ينفتح لشخص لم يدخل الحياة، ويكتشف حسين أن حبيبته قد تم ترويضها من خلال الحب، لذا فإن الأغنيات تحل مكان الصراع بين الخير والشر.
الفيلم شارك فى بطولته حسين رياض، وفردوس محمد، ونبوية مصطفى، محمد كامل، وأبرز ما فيه أن عقيلة راتب غنت فيه عديدا من الأغانى السينمائية التى لا يعرفها المشاهدون خارج الشاشة.