من قدح شرارة التغيير؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من قدح شرارة التغيير؟

نشر فى : السبت 22 يونيو 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : السبت 22 يونيو 2024 - 7:15 م

ليس كلّ المؤرخين والباحثين يتفقون على أنّ حملة نابليون على مصر هى التى أطلقت شرارة النهضة العربية، باعتبارها صدمة نبّهت العرب إلى تخلفهم مقارنة بحال مُحتلّيهم، فبعض هؤلاء يرون أن العلاقة بين الغرب الأوروبى والشرق العربى لم تنقطع قطّ، وأنها ظلّت متواصلة بأشكالها السلبية والإيجابية حروبًا وتبادلًا تجاريًا ومعاهدات.

وهناك من رأى أن إقران بداية النهضة العربية بحملة نابليون ينطوى على إغفال لطبيعتها الاستعمارية، وتزيين صورتها، فالقول إنها محاولة لتصدير أفكار الثورة الفرنسية إلى الخارج، وإلى مصر بالذات، يخرجها عن السياق الحقيقى لأهدافها السياسية الواقعية، والمتصلة بالتنافس والمواجهة التجارية بين فرنسا وبريطانيا.

يعزّز هذا الرأى حقيقة أن الحملة الفرنسية لم تترك بعد انسحابها أى آثار مجدية. لم يبق فى مصر أى عالم فرنسى، أو أى معدّات أو مطابع، وإنما كان محمد على باشا هو من استقدم بعد ذلك من احتاج إليهم فى تأسيس دولته العصرية من الخبراء الفرنسيين، وإذا كان هذا التحديد لبداية النهضة يؤكد العامل الذاتى فى الوعى بضرورة قيامها، لكنه لا ينفى أهمية الدور الذى لعبته حملة نابليون على مصر فى إيقاظ العرب على البون الكبير بين ما هم عليه وما عليه الغرب، إلا أن هذا التأثير الخارجى ما كان ليحرّك العرب لولا استعدادهم الداخلى للنهوض. ومهما يكن من أمر، فإن النهضة لم تشهد تكريساً عملياً لها إلا بعد أن تقلّد محمد على عرش مصر، فى الثامن عشر من يونيو من عام 1805، وهى مناسبة مرت ذكراها السنوية قبل أيام قليلة.

حول ذلك كتب وليد بدران أنه لم تكن هناك فرصة فى أى مكان فى الإمبراطورية العثمانية لإعادة هيكلة المجتمع بشكل كامل أكثر من مصر، ويمكن القول إن الكاتب يقيم ما يشبه المزاوجة بين الرأى الذى يرى أن الحملة الفرنسية هى التى قدحت شرارة التغيير، والرأى الذى يُرجع الفضل فى ذلك إلى محمد على باشا، حين ينقل عن «دائرة المعارف البريطانية» قولها إن الاحتلال الفرنسى لمصر الذى دام ثلاث سنوات (1798-1801) أدى إلى تعطيل الآليات التقليدية فى البنية السياسية والاقتصادية للبلاد، ليأتى محمد على باشا، ويُكمل المهمة التى بدأها الفرنسيون، حين قام بالقضاء على المماليك، الأوليجارشية الحاكمة السابقة، وصادر مساحات كبيرة من ملاك الأراضى، وأحال الزعامات الدينية إلى التقاعد، وقيّد أنشطة التجار المحليين وجماعات الحرفيين، وقام بتحييد البدو، وسحقت قواته جميع حركات التمرد بين الفلاحين. وبحلول عام 1815، كان قد تمّ تحويل معظم الأراضى الزراعية فى مصر إلى أراضٍ تابعة للدولة، وهى خطوات كانت حاسمة فى إحداث التغيير.

حسن مدن
جريدة الخليج الإماراتية

التعليقات