قبل سنوات سألت وزير اتصالات مصريا أسبق: هل هناك أى نوع من الهواتف الجوالة يكون آمنا تماما من أى نوع من الاختراق من أى جهة سواء كانت عالمية، أو محلية، عامة أو خاصة؟
الوزير قال بوضوح إن كل هاتف مادام مخترعه بشرا فهو قابل للاختراق من بشر آخرين، لكن هناك درجات مختلفة من الحماية، فهناك هاتف يسهل اختراقه وقرصنته والتجسس عليه، وآخر يصعب إلى حد ما، لكن لا يوجد هاتف لا يمكن اختراقه.
الاعتقاد الشائع الخاطئ لدى كثير من المواطنين العرب وربما فى العالم، أن الاختراق يكون غالبا من أجهزة بلادهم الأمنية. وأحيانا فإن خوف الكثيرين الدائم لا يكون من السلطات الأمنية، بقدر ما يكون من زوجاتهم أو صديقاتهم! ونسمع ونقرأ نوادر كثيرة فى هذا الاتجاه عن خطورة أن تتمكن الزوجة من الوصول لقاعدة بيانات هاتف زوجها البصباص!
لكن الذى حدث فى الأيام الأخيرة بعد عملية «البيجر» الإسرائيلية ضد عناصر حزب الله اللبنانى أعاد طرح هذا السؤال بصورة مختلفة، فلم يعد الأمر متعلقا باختراق جهاز أمنى لخصوصية مواطن لمعرفة ماذا يفعل أو يخطط، أو متعلقا بزوجة غيورة تسعى لمعرفة مع من يتحدث زوجها أو كيف يخونها! الأمر صار متعلقا بحياة الإنسان نفسه بعد أن حولت إسرائيل وسائل التواصل إلى أدوات للقتل ليس الفردى فقط كما كان شائعا بل القتل الجماعى وللمدنيين أيضا.
الجريمة الإسرائيلية على الأراضى اللبنانية لم تُخِفْ الدول والجيوش والتنظيمات المسلحة فقط، لكنها جعلت كل مواطن عادى يسأل: هل يمكن أن يتحول الهاتف الذى أملكه إلى سلاح أو سكين يتم طعنى به فى أى لحظة؟
تذكر أن حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله خطب فى فبراير الماضى فى أنصاره فى لقاء متلفز وقال لهم نصا: «تسألون أين العميل؟ وأقول: لكن إن العميل هو الهاتف الموجود بأيدكم وبحوزة زوجاتكم وأطفالكم.. عليكم أن تدفنوا هواتفكم وتضعوها فى صندوق محكم الإغلاق».
فى هذه اللحظة فكر حزب الله فى أجهزة البيجر كبديل، ولم يكن يتصور أن إسرائيل تلعب على هذه الأجهزة وتحضر له ولحزبه مفاجأة كبرى. هذا الأمر يمكن فهمه فى كل الأحوال باعتبار أن هناك صراعا طويلا وداميا بين إسرائيل وحزب الله وبالتالى فمن المنطقى أن يسعى كل طرف للإضرار بالطرف الآخر بكل الطرق، حتى لو كانت غير قانونية وإرهابية كما فعلت إسرائيل مؤخرا.
لكن موضوعنا اليوم هو المواطن العادى، وكيف يمكنه أن يعيش مطمئنا وفى يده سلاح قاتل يمكن أن ينفجر فيه فى أى لحظة؟!
هذا التساؤل والتحسب هو الذى دفع المهندس ممدوح حمزة للقول يوم الثلاثاء الماضى إنه سوف يستبدل هاتفه الذكى بجهاز آخر أقل ذكاء.
نعرف أن كثيرين بمن فيهم مسئولون كبار فى العديد من الدول صاروا يستخدمون هواتف قديمة جدا حتى لا يمكن تتبعها ومراقبتها، وكان طبيعيا أن تجد فى يد بعض المسئولين هاتفا من أحدث طراز، وآخر من أقدم طراز.
لكن أظن أنه بعد الذى حدث مع أجهزة «البيجر» فإن الشك سوف يطارد الجميع، حتى لو كانوا متأكدين ألفًا فى المائة أن هذه الهواتف آمنة تماما.
السؤال مرة أخرى: هل ما حدث من إسرائيل ضد حزب الله، يمكن أن يتكرر من أفراد ضد أفراد؟
الإجابة هى: نعم، وإن كان البعض يقول إن المواطن العادى لا يملك ما يجعله يخشى المراقبة.
لكن نعلم أن إسرائيل أيضا اخترعت أجهزة ووسائل وبرامج وتطبيقات للتجسس، وتم تصديرها للعديد من دول العالم. وهذه الأجهزة تستخدمها الحكومات والشركات للتجسس على بعضها البعض بعيدا عن أجهزة الأمن الحكومية.
السؤال هل يمكن أن يقود ما فعلته إسرائيل فى عملية البيجر شركة أو منظمة أو عصابة إلى الإيقاع بأحد خصومها أو المختلفين معها أو ناقديها بمثل هذه الوسيلة؟
سؤال لا أعرف الإجابة عنه، لكن ربما يكون السؤال الأهم على الإطلاق هو: إذا كانت الهواتف خصوصا الذكية بمثل هذه الخطورة، فهل يمكننا التحرر والتخلص منها والعودة إلى حياتنا التى كانت سائدة قبل اختراع الموبايل؟
سؤال صعب جدا ويستحق النقاش.