رأينا فى المقال السابق تاريخ المتحف الإثنوجرافى بالجمعية الجغرافية المصرية ومراحل التأسيس. واليوم نتعرف على أقسام المتحف ومقتنياته.
أقسام المتحف
يتألف المتحف حاليا من ست قاعات هى على النحو التالى:
1: قاعة القاهرة للعادات والتقاليد:
وتضم مشاهد من الحاضرة المصرية خلال القرنين 18 و19. وبها مجسمات وتماثيل صغيرة لطقوس الحياة اليومية موزعة على تسعة أقسام فرعية:
• أدوات التدخين خاصة النرجيلة وبها أشكال مختلفة من الجوز (المصنوعة من ثمار جوز الهند) والماشات والنارجيلات المطعمة بالنحاس والفضة.
• أدوات الحلاقة والزينة، خاصة طاسات توضع حول الرأس أثناء الحلاقة وأمواس مختلفة الأنواع. ولأن الحلاقة كانت تشمل آنذاك بعض ممارسات طبية بدائية فإن هذه الأدوات تشمل مخالع للأسنان التالفة ومقصات لطهارة الأولاد.
• كما يشمل هذا القسم أيضا من أدوات الزينة أمشاط الشعر وملاقط الوجه ومكاحل العيون وقوارير العطور الصغيرة. وهذه الأدوات ليست غرضًا فى ذاتها بل مصنوعة بطريقة زخرفية بديعة. ويضم القسم أيضا «حِملْ» الحلاق الذى كان يتقدم به زفة الطهارة فى الأحياء الشعبية.
• مصاغات الزينة وأدوات السحر، ويشمل أساور وغوايش وعقودا وخواتم، وكلها منقوشة ومزخرفة وبعضها مذهب. أما أدوات السحر فتشمل طاسات الخضة ومسابح لتعاويذ مسيحية وإسلامية فضلا عن بعض تمائم وأحجبة، وبعض التمائم المكتوبة بالأمهرية التى جلبتها البعثات من الحبشة.
• الآلات الموسيقية (الشرقية) وأدوات اللهو واللعب، مثل السفيرة عزيزة (صندوق الدنيا) والقراقوز وخيال الظل.
• أدوات الإنارة من مصابيح ومشكاوات ومسارج وشمعدانات.
• فنون الخط والكتابة العربية وأدوات المحابر والمقلمات.
• الحى البلدى ويعرض مجسمات صغيرة للقهوة وروادها والفناجين والكنك والأباريق والبرادات ولوحات تعبر عن قصص الفن الشعبى لسير الأبطال من أمثال عنترة والزير سالم وأبو زيد الهلالى.
• الأزياء والأقمشة وتضم نماذج من ملابس المصريين باختلاف طبقاتهم الاجتماعية.
• طقوس الأعياد والأفراح مثل مجسم صغير يعرض لاعب النقرزان فى مقدمة زفة شعبية.

2: قاعة القاهرة للحرف:
وتضم أشهر الأدوات التى كان يستخدمها الحرفيون فى القرنين التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. وتم تصنيف هذه الأدوات إلى ثمانية أقسام على النحو التالى:
• الصناعات النحاسية من حنفيات وصنابير وأوعية للمشروبات وأوانٍ منزلية نحاسية الصنع.
• الصناعات الحديدية من أدوات النجارين والحدادين والسروجية وصناعة الأقفال والكوالين.
• أدوات زجاجية من مشكاوات وأطباق ملونة ومزهريات زجاجية.
• أدوات البنائين من مطارق وقواديم وموازين تسوية.
• أدوات صناعة الأحذية من سكاكين وقرم خشبية ثلاثية الأرجل ومطارق ومواد جلدية ومنتجاتها من المراكيب (حذاء نوبى) والبلغة (حذاء الفلاح) والقباقيب الخشبية للحمامات.
• أدوات الخدمات المنزلية سيما أدوات المنجد، المكوجى، سنان السكاكين، عصارة القصب المنزلية، عصارة الزيت المنزلية، الرحاية. فضلا عن كبش وملاعق.
• أدوات الخراطة العربية التى تصنع الخشب المعشوق. وتضم منتجات ورش الخراطة من أدوات خشبية بديعة مثل التختروان وكوش الزفاف والبرافانات والمشربيات.
• أدوات النسيج من مناول يدوية وآلات غزل ولف للبكر والتمشيط وكى القماش المنسوج فضلا عن قوالب خشبية كانت تستعمل فى طبع المنسوجات.
3- قاعة الأثاث الشرقى:
تعرف هذه القاعة باسم «القاعة الشرقية» إذ تضم قطعًا من الموبيليا والأدوات المنزلية التى تعبر عن طبقة ميسورة من سكان القاهرة خلال الربع الأول من القرن العشرين. وأهم معالم هذه القاعة:
• نوافذ مصنوعة من الجص ومزينة بزجاج معشق، وصناديق من الخشب المعشق، وأبواب وشبابيك من كلا نوعى الخشب: المعشق والمخروط. فضلا عن شكمجيات مزخرفة.
• أثاث شرقى نادر من كرسى الولادة ومهد للطفل.
• منتجات الخوص ذات الألوان الزراعية الريفية.
• أقمشة الخيامية المزخرفة بتراث إسلامى.
• كوشة العروسة وكوشة العريس، وتحفة بديعة من التختروان (المحفة التى كانت تزف فيها العروس إلى منزل زوجها).
4-: قاعة الريف المصرى:
هذه القاعة والردهة الصغيرة الملحقة تضمان معا الأدوات التى كان يستخدمها الفلاحون فى حياتهم اليومية أو فى عملهم فى الحقل فضلا عن صور عديدة ملونة لنماذج من هذه الحياة. وتم تصنيف هذه الأدوات إلى ثمانية أقسام على النحو التالى:
• الموازين والمكاييل المحلية مثل الرطل والإردب والأوقية قبل أن تتحول مصر مع الاحتلال الإنجليزى إلى المقاييس الأوروبية.
• الفخار بأنواعه ذات الوظائف والأحجام المتعددة من الصغير لأدوات الزينة والشمعدانات إلى فخار يتحمل النار مرورًا بفخار أوعية الشرب (القلل والأباريق والبلاليص) وصولا إلى مجموعة الزلع الكبيرة.
• صناعات الخوص (أطباق ومقاطف وقفف ومنشات وأقفاص لنقل الفاكهة والدواجن)
• الغرابيل المستخدمة فى نخل وفرز وتنقية الحبوب فى أعمال الفلاحة
• أسلحة الحقل الزراعية من شرشرات وبلط وقواديم وفئوس ومحاريث ونوارج.
• أدوات رعاية الخيول والحمير من مقصات وسكاكين لقص الشعر أو جز صوف الأغنام، فضلا عن أدوات تقييد الخيول وركابها من ألجمة وقيود ورشمات (عقود جميلة تزين بها صدور الخيول).
• تماثيل صغيرة لشخصيات فى الريف مثل تمثال العمدة الشهير
• أدوات متفرقة من مختلف حياة الريف بعضها يجسد خض اللبن أو مدراة للقمح أو بلاطة للفرن أو مطارح لفرد خبز الذرة (المرحرح)

5-: قاعة إفريقيا:
وتضم ما بقى من مقتنيات الكشوف الجغرافية فى السودان وعمق إفريقيا، سواء من أسلحة أو أدوات موسيقية وتم تقسيمها إلى ثمانية أقسام هى:
• الحراب (أكثر من 250 حربة) ذات النصل الحديدى على شكل ورقة شجر وكان يستعملها الدراويش من قبيلة البقارة. ومعها مجموعة من السهام ذات الرءوس المدببة فى اتجاهين وتنتمى الحراب والسهام إلى إقليم كردفان ودارفور فى وسط وغرب السودان. كما تنتمى بعض الحراب إلى قبائل البحر الأحمر وصحراء عتباى وخاصة من الهدندوة، فضلا عن قبائل أخرى فى غرب السودان سيما فى منطقة تشاد ووسط إفريقيا.
• السيوف والخناجر والأسلحة النارية. ومن أبرز مقتنيات هذه المجموعة الخناجر المتميزة المعروفة باسم «كلبيدا» والتى اشتهرت بها قبيلة الأزاندى فى أقصى جنوب السودان.
• الدروع الصدرية التى يعرفها الأفارقة باسم «الدرق». فضلا عن عدد من الصدريات الحديدية والخوذ المعدنية.
• آنية الطعام والشراب فضلا عن قطع من أثاث وأدوات المنزل أهمها المقاعد المصنوعة قطعة واحدة من الشجر والتى تخص قبائل منطقة بارى فى غرب السودان. ويوجد مساند للرأس جلبت من قبائل النوير والشلوك والدنكا فى وسط وجنوب السودان وتشبه هذه المساند ما نجده عند قدماء المصريين وما تزال أيضا مستخدمة إلى اليوم عند قبائل البجا فى جنوب شرق مصر فى منطقة شلاتين وحلايب.
• الطبول وأدوات الموسيقى بما تشمله من آلات وترية، جلبت من شعب الآزاندى، وآلات النفخ الموسيقية كالصفارات المصنوعة من الغاب والتى تشبه الناى المصرى لكنها تستخدم فى إفريقيا فى طقوس عبادات روحية لدى قبائل فى أوغندا. كما يشمل هذا القسم الأبواق والأجراس، فضلا عن ملابس وأقمشة مختلفة الخامات ما بين الحرير والجلود.
• الحلى وأدوات الزينة سواء المصنوعة من المعدن أو الخرز العاجى أو أصداف بحرية، وتتفاوت بين الأساور والغوايش
• عملات وصور ومقتنيات متفرقة من حيوانات محنطة ومجموعة من سن الفيل وقرون الحيوانات.
6- قاعة قناة السويس:
وتشمل مجسمات متحركة (دايوراما) تمثل مدن القناة وحفلات افتتاحها. ويمكن للزائر مشاهدة مجسم متحرك وكأنه يركب سفينه تمر به عبر مدن القنال من بورسعيد إلى السويس. وكل مقتنيات هذه القاعة مهداة من هيئة قناة السويس للجمعية الجغرافية فى 1930. كما تشمل القاعة مجسمات لمدن القنال بمقاييس رسم مختلفة علاوة على مجموعة من الصور الملونة والرسوم البيانية.

من الإثنوغرافيا الإمبراطورية إلى الفولكلور المحلى
توقفت تغذية المتحف الإثنوجرافى منذ مطلع القرن العشرين وأضيفت إليه قطع كثيرة من الداخل المصرى وخاصة القاعات التى تضم سكان القاهرة والريف المصرى وهو ما يجعلنا نطرح سؤالا مهما: هل ما يزال المتحف يحمل اسما صحيحا "الإثنوجرافي"؟
الأقرب فى وجهة نظرى أن الأغلبية المعروضة فى القاعات توحى بأن المناخ العام هو للفلكلور المصرى مع نسبة من المعروضات الإفريقية.
ولعل فى هذا الأمر ارتهان لما حدث من تغير فى الأبعاد الجيوسياسية للدولة المصرية منذ عهد إسماعيل الذى كان يسعى إلى تكوين «إمبراطورية» فى العمق الإفريقى لكنها سرعان ما تفككت بالاحتلال الإنجليزى فى عهد ابنه محمد توفيق.
لقد قامت إنجلترا بالسطو على ممتلكات مصر فى العمق الإفريقى وبالتالى توقف الإمداد «الإمبراطورى» للمتحف الإثنوجرافى وحل محله مساهمات من الداخل المصرى بعناصره الريفية والعربية والإسلامية ثم أخيرا فى 1930 بقاعة كاملة عن قناة السويس التى يجب ألا تتضمن مع أى من الإثنوجرافيا أو حتى الفولكلور.
الحاجة إلى متحف رقمى
فى عصر الإنترنت والتعليم عن بعد حرى بالجمعية الجغرافية أن تقوم بنقل نسخ تفاعلية من محتويات المتحف إلى وسائط متعددة على الإنترنت سواء فى شكل فيديوهات أو صور أو مجسمات وهو أمر تقوم به كل متاحف العالم الحديث. ولو تم ذلك يمكن أن تتضاعف أهمية المتحف ويؤدى أدوارا تعليمية وتثقيفية ويرفع من الوعى الوطنى والقومى ويربط مصر بعمقها الإفريقى ويمد جسرا مع تراثها الثقافى فى القرون الماضية.