نشر الباحث إيفان إيلاند مدير مركز للسلام والحرية والمدير السابق للدراسات سياسة العسكرية فى معهد كاتو وهو محقق لجنة الشئون الخارجية فى مجلس النواب وكبير محللى شئون الدفاع فى مكتب الموازنة فى الكونجرس، مقالا فى مؤسسة ذى اندبندنت حول طلب الإدارة الأمريكية تفويضا من الكونجرس الأمريكى لمحاربة الإرهاب، مشيرا إلى تجارب سابقة تدخلت حصل البيت الأبيض فيها على التفويض وأسفرت عنها نتائج سلبية. يشير إيلاند إلى أنه بعد ستة أشهر من مواجهة جماعة داعش الوحشية، قرر أوباما أخيرا أن يطلب تفويضا من الكونجرس بمحاربتها. وأكد ـ مثل آل بوش ـ أن لديه بالفعل سلطة شن الحرب، لكنه يطلب ذلك من باب اللياقة. وعلى الرغم من كراهية الجمهوريين العمياء فى كثير من الأحيان للرئيس، فهم يريدون أن يمنحوه سلطة أقوى مما كان يريد لإدارة حربه. ولعل الغريب هو الحب الجمهورى للسلطة التنفيذية المفرطة على نحو غير دستورى؛ لأن التحولات الديمجرافية غير المواتية فى البلاد، تجعل من الصعب عليهم استعادة الرئاسة قريبا. وربما يظن المرء أن حزبا رئيسيا فى الكونجرس، مثل حزبهم، يرغب فى تعزيز قوته على حساب السلطة التنفيذية، إلا أن الكونجرس لا يريد أن يتحمل أى مسئولية عن الحرب فى هذه الأيام، خشية من عدم انتخاب الأعضاء مرة أخرى، إذا انتقل الصراع نحو الجنوب. وفى أفغانستان، والعراق (أول مرة)، وفى ليبيا، اتجهت الأمور نحو الجنوب.
•••
ويرى إيلاند لو كان مؤسسو الأمة الأمريكية هنا وشاهدوا ما سماه بـ"الاغتصاب المتغطرس" من قبل رؤساء لسلطة الكونجرس الدستورية فى إصدار قرار الحرب، واستعداد الكونجرس للتنازل عنها، لسقطوا مغشيا عليهم. وهناك عدد قليل من المناطق الرمادية فى دستور الولايات المتحدة، ولكن سلطة شن الحرب ليست منها. فقد وضع الدستور معظم سلطات الحرب، بما فى ذلك سلطة إعلان الحرب، وحتى الموافقة على عمل عسكرى أقل درجة، ورفع درجة استعداد الجيش، والحفاظ على قوة بحرية، وتمويل وتنظيم القوات المسلحة والميليشيات، فى أيدى الأفرع الممثلة للشعب فى الحكومات. وخلق المؤسسون الأمريكيون هذا الترتيب غير العادى، عمدا، لأنهم لم يكونوا يحبون الملوك العسكر فى أوروبا آنذاك، الذين كانوا يقودون بلدانهم إلى الحرب لمجرد نزوة، بينما يدفع المواطن العادى تكلفة الدم والضرائب. ويبين إيلاد أن المفهوم الأصلى للمؤسسين حول نظام الحكومة، تتولى السلطة التنفيذية فقط مهام القائد العام للقوات المسلحة، بعدما يصدر قرار الحرب من خلال الأفرع الممثلة للشعب، ووفق أى قيود تفرضها هذه الأفرع. وكما أشار الجدل الذى دار بشأن اتفاقية الدستور، لا يمكن للرئيس القيام بعمل عسكرى من دون موافقة الكونجرس إلا فى الحالة القصوى التى تكون فيها البلاد معرضة لهجوم وشيك فى فترة عدم انعقاد الكونجرس. وحتى فى هذه الحالة، على الرئيس أن يحرص على الحصول على تصريح بمجرد أن يكون ذلك ممكنا. وعلاوة على ذلك، أكدت دعوى قضائية فى وقت مبكر من تاريخ الجمهورية ـ خلال إدارة جون آدامز ـ أن المؤسسين أتاحوا دورا ضيقا فقط للرئيس باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، فى ساحة المعركة فقط، وليس القائد العسكرى العام للأمة، الأمر الذى يبدو أنه لم يكن مفهوما خلال إدارتى بوش وأوباما وغيرهما من الرئاسات الاخيرة.
•••
ومن وجهة نظر إيلاند، هناك رئاسة إمبراطورية، اغتصبت الكثير من السلطة التى كان من المفترض أن تكون للفرع الرئيسى فى الحكومة الاتحادية؛ الكونجرس، وبدلا من ذلك جعلت السلطة التنفيذية هى المهيمنة. وعلى الرغم من أن الكونجرس بدأ يفقد سلطته حول الموازنة الاتحادية لصالح السلطة التنفيذية من العشرينيات، استمرت سلطته فى اصدار قرار الحرب حتى عام 1950، عندما رفض هارى ترومان أن يطلب من الكونجرس إعلان الحرب الكورية. وللمرة الأولى فى التاريخ الأمريكى، لم يعلن الكونجرس الحرب فى عمل عسكرى كبير.
وأرسى إعلان ترومان للحرب سابقة سيئة. ومنذ ذلك الحين، لم يعلن الكونجرس الحرب فى الصراعات الكبيرة والصغيرة. وعلى ما يبدو صارت الآثار القانونية والسياسية لإعلان "الحرب" مخيفة لدرجة جعلت ممثلى الشعب يترددون فى ممارسة المهام الدستورية. وفى الحرب الكبيرة التالية، نسى ليندون جونسون إبلاغ الكونجرس بالغارات الامريكية السرية على ساحل فيتنام الشمالية، ثم بالغ فى الاعلان عن هجمات انتقامية مزعومة لكوريا الشمالية على مدمرات الولايات المتحدة، من أجل الحصول على تفويض مفتوح من الكونجرس بالحرب على خليج تونكين. وسرعان ما استخدم ليندون جونسون القرار لتبرير التصعيد الكبير للحرب البرية فى ذلك البلد. وفى نهاية المطاف ألغى الكونجرس القرار ولكن بعد وقوع الضرر.
ويستمر إيلاند فى سرد التجارب الأمريكية. ففى أوائل التسعينيات، أعلن بوش الأب أن لديه سلطة إصدار أمر شن حرب كبيرة ضد صدام حسين، ولكنه من باب اللياقة، سيطلب من الكونجرس الموافقة على ذلك. وحذا ابنه حذوه عام 2001 فى الحصول على إذن استخدام القوة العسكرية للحرب على الإرهاب والتصريح بغزو العراق عام 2002.
بعد سابقة ترومان السيئة، لم يكلف معظم الرؤساء أنفسهم عناء الحصول على أى موافقة من الكونجرس فى الحروب الصغيرة: على سبيل المثال، غزو ايزنهاور للبنان فى عام 1958، وغزو ريجان جرينادا أوائل الثمانينيات، وغزو بوش الأب فى بنما فى عام 1989، والغارات الجوية الحرب ضد صربيا على كوسوفو 1999 فى عهد كلينتون، والحملة الجوية ضد ليبيا فى ولاية أوباما عام 2011.
وفى العقد الأخير يوضح إيلاند قيام كل من بوش وأوباما بشن غارات غير شرعية بالطائرات بدون طيار فى باكستان واليمن والصومال منذ عام 2001، بمد التفويض باستخدام القوات العسكرية لمقاومة الإرهاب، الذى كان يأذن بالعمل عسكرى ضد الدول والمنظمات والأفراد الذين ارتكبوا أو ساعدوا فى هجمات 9/11 أو من يأوى المهاجمين، وليس ضد تعبير "جماعات تابعة" الفضفاض الذى استخدمته وسائل الإعلام. والآن، يستغرب إيلاند من أن يرسل أوباما طلبا إلى الكونجرس، يبدو أنه يحد من سلطته لشن حرب ضد داعش و"الأشخاص والقوات المرتبطة بها،" من خلال تقييد مدته إلى ثلاث سنوات فقط واستبعاد "العمليات القتالية البرية الهجومية الدائمة". ومع ذلك، سيكون التقييد غير ملحوظ فى التفويض المقترح، لأنه ليس من المتصور وجود أى قيود جغرافية، ولا يزال تعبير"العمليات القتالية البرية الهجومية الدائمة" غامضا جدا، ومثلما أظهر سوء الاستخدام الصارخ "للتفويض باللجوء للعمل العسكرى فى محاربة الإرهاب" منذ 2001 من المتوقع أن يتعامل أى الرئيس بشدة مع أى من "الأشخاص والقوات المرتبطين بهم ". ونظرا لنجاح داعش، تدعى العديد من الجماعات التى ظهرت فى جميع أنحاء العالم، الولاء لها سعيا وراء الشهرة، دون أن تفرض تهديدا على الولايات المتحدة. بل لعله من المشكوك فيه أن جماعة داعش الرئيسية ـ التى هى أساسا تشكل تهديدا إقليميا فى الشرق الأوسط ـ تمثل تهديدا للولايات المتحدة.
•••
وفى الختام يؤكد إيلاند أنه إذا كان لدى الكونجرس الشجاعة لتمرير أى موافقة لهذا الاستخدام الأمريكى المشكوك فيه للقوة، فيجب على الأقل حذف تعبير "الأشخاص والقوات المرتبطة بها"، والحد من النطاق الجغرافى للمعركة، وأن يكون محددا جدا حول نطاق العمليات البرية. ويجب على الكونجرس أيضا إلغاء قراءة "الترخيص باستخدام العمل العسكرى لمحاربة الإرهاب" الصادر فى 2001و ترخيص حرب العراق فى 2002 لأن التاريخ قد تجاوزهما، مرجحا استمرار أوباما فى إساءة استخدامهما، وخاصة إذا فشل الكونجرس فى الاتفاق على أى قرار جديد لمكافحة داعش.