جدعون ليفي
التقى هاجسان كبيران استحوذا على معسكر اليسار ــ الوسط الإسرائيلى هذا الأسبوع واتحدا ليصبحا هاجسا واحدا: قتل رئيس الحكومة السابق يتسحاق رابين وكراهية رئيس حكومة سابق آخر هو بنيامين نتنياهو. ويمكن القول إنه لا يوجد موضوع يشغل هذا المعسكر ويوحده ويثيره ويحثه أكثر من قتل الأب ومن كراهية وريثه. وفى الأسبوع الحالى أصبح الأمران أمرا واحدا.
لم يشارك نتنياهو فى إحياء ذكرى رابين الذى أُعلن فيه أن «حكم الشعب» انتصر على «حكم الفرد». وحكم الشعب هو حكم المعسكر المذكور، وحكم الفرد هو حكم نتنياهو بالطبع. وقد أحسن الطيبون والمتنورون مرة أُخرى تشخيص الوضع، فلقد خرجنا من الظلام إلى النور، كما قال أبناء عائلة رابين بسرور ومعهم الكثير من الإسرائيليين الآخرين، وفقط نتنياهو الذى لم يشارك أفسد الاحتفال.
بدأ هذا بشبيبة الشموع غداة عملية القتل، وهى الشبيبة التى كانت بمثابة إيذان بخواء هذا المعسكر الذى سار على ضوء شموعه المنطفئة. قاموا بالبكاء فى الميادين، لكن الشموع سرعان ما انطفأت، ومَن أشعلوها تفرقوا فى كل حدب وصوب. جيل كامل طلب السلام وذهب فى اتجاه مصالحه. هكذا بدأت العبادة التى استمرت ربع قرن منذ ذلك الحين؛ وبوتيرة مرتين فى كل عام، مرة فى التاريخ العبرى ومرة فى التاريخ الميلادى، يجتمعون ويبكون ويغنون ويقسمون بألّا يتكرر ذلك مرة أُخرى، ويتحدثون عن إرث لا يعرف أى أحد ما هو، ويحتقرون المعسكر الآخر، ويبكون على الدولة التى ضاعت وهكذا يتطهرون.
إن احتفالات التطهُّر هذه تبدو حيوية للمعسكر الذى لم يكن فى الحكم فى معظم السنوات منذ ذلك الحين. وأيضا عندما كان فى الحكم لم يُحدث أى تغيير. بالإضافة إلى ذلك، أضاع هذا المعسكر الطريق وتمسك بقتل رابين كملاذ فكرى أخير له. فدائما يمكن أن نكون ضد العنف والكراهية والقتل. ومَن الذى لا يؤيد كل هذا؟ ودائما يمكن أن تكون مع الوحدة والمصالحة فمن الذى يقف ضدهما؟ ودائما يمكن القول إن قتل رابين كان كذلك «قتلا للسلام». ولكن أى سلام؟ وأين هو السلام؟ ولماذا قُتل السلام عندما قُتل رابين؟ لا يتم التدقيق فى ذلك بتاتا.
ولكن الأعوام تفعل فعلها. ومع أن نصف الدولة سُميت باسم رابين [المقصود الساحات والشوارع] فإنه فى هذه الأثناء أيضا نما جيل لا يعرفه. وعبادة الموت لم تعد كافية من أجل الحفاظ على ذكرى الشموع التى انطفأت والمعسكر الذى صمت. وهكذا ولدت كراهية نتنياهو. واستهدفت هذه الكراهية صب مضمون فى الفراغ لحث المعسكر على فعل شيء وإعطائه شعور الثمل بالمشاركة المدنية وبالاهتمام بروح النضال. ولكن بالضبط مثل تخليد رابين من دون معرفة ما الذى يخلدونه، لم تقدم محاربة نتنياهو أيضا أى إجابة عن السؤال المطروح دائما: ما الذى يقترحونه؟ من هو بديله؟ ما هى الطريقة؟ وما هو الفرق بين هذه الطريقة وبين طريقة اليمين المكروهة؟ الأسئلة بقيت من دون إجابة، باستثناء التقدم فى استئصال الشر وليكن ما يكون وسيأتى الخير من تلقاء نفسه، كما اعتقدوا هناك. ويبدو أن الخير ظهر أخيرا، واسمه نفتالى بينت ويائير لبيد. ولكن من المشكوك فيه أن يكون جيدا، ومن المفهوم جدا أنه ليست له أى علاقة باليسار.
هذا الأسبوع تجمع كل شيء فى صورة واحدة: الخطابات الرنانة والجوفاء مع الغضب الضائع على نتنياهو، الذى لم يأت لامتصاص إهانته السنوية على جبل هيرتسل. كان هناك حديث جوهرى عن القيم، لكن لا أحد ذكر أى كلمة عن إنهاء الاحتلال فى مناسبة إحياء ذكرى أعظم «رجل سلام» نشأ هنا، كما يتم الزعم كل عام.
تكلموا عن الديمقراطية الإسرائيلية وزعم لبيد أنهم «منعوا المحاولات الرامية إلى تدمير الديمقراطية»، بينما أكد حفيد رابين يونتان بن آرتسى أن «شعب إسرائيل انتصر بعد أن خاض حربا طويلة من أجل حريته ومن أجل شخصية الديمقراطية الإسرائيلية». وحدث هذا كله من دون ذكر أى كلمة عن خمسة ملايين شخص يعيشون تحت ديكتاتورية تُعتبر من الديكتاتوريات الأكثر وحشية فى العالم وهى الاحتلال العسكرى الإسرائيلى. هذه الديكتاتورية لا يكرسون لها أية كلمة، وفقط يتعطرون حتى النخاع بالديمقراطية المضللة لدينا التى قدسها رابين ودنسها نتنياهو. وهذا هو كل ما يفعله المعسكر الذى يسمى نفسه المعسكر القيمى والديمقراطى لدى وقوفه أمام اليمين.
محلل سياسى
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية