ساعة مع القذافى - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ساعة مع القذافى

نشر فى : الخميس 24 فبراير 2011 - 9:41 ص | آخر تحديث : الخميس 24 فبراير 2011 - 9:42 ص

 فى عام 1994 قادنى حظى العاثر للقاء استمر نحو ساعة مع معمر القذافى ضمن وفد صحفى عربى وأجنبى، وكان معى من مصر الأستاذ الفاضل مجدى أحمد حسين.

وقتها كنت موفدا من صحيفة العربى الناصرى لتغطية تسيير الحكومة الليبية لطائرات حجاج تكسر الحصار الجوى المفروض عليها من الغرب بسبب عقوبات لوكيربى.

حتى هذا الوقت كان عندى بعض اعتقاد ان أنظمة مثل ليبيا وسوريا والعراق تتصدى فعلا لـ «الإمبريالية والصهيونية».

ذهبنا إلى ليبيا برا وعلى الحدود ثم منعنا رغم أن الدخول للمصريين وقتها كان بالبطاقة الشخصية.. حاولنا الاتصال بمكتب وزير الخارجية، وكان وقتها عمر المنتصر فقيل لنا إنه فى مظاهرة جماهيرية ليلية!

بعد جهد جهيد وبسبب إصرار زميلين من «السى إن إن» و«الأسوشيتدبرس» دخلنا ثم أكملنا المسيرة برا إلى طبرق ومنها بالطائرة إلى العاصمة.

شاهدنا طائرات حجاج تقلع من طرابلس، وقيل وقتها إنها هبطت فى بنغازى ليتم استبدالها بطائرات مصرية تكمل إلى جدة.

طوال أيام الرحلة التى وصلت إلى أسبوع لم يكن مسموحا لنا أن نفعل شيئا سوى الأكل فى الفندق ومشاهدة القناة الوحيدة فى التليفزيون الليبى، التى كانت سهرتها المتكررة عن النهر الصناعى العظيم.

فى اليوم قبل الأخير فوجئنا بالمرافق يأمرنا بركوب أتوبيس كبير.. كلما سألته عن شىء ــ حتى لو كان السؤال من عينة «هل هذا إنسان» ــ يجيب: لا أعرف!

عندما دخلنا إلى قصر كبير تبدو عليه آثار غارة جوية سألته: أليس هذا قصر العزيزية أجاب لا أعرف.. دخلنا القصر ورأينا الخيمة الكبيرة.. وسألته: أليست هذه خيمة العقيد؟ فقال: لا أعرف.

دخلنا الخيمة لنجد القذافى أمامنا وبصره يتجه للأعلى.. قال رجل المراسم فى تقديمى: فلان الفلانى من صحيفة العربى الناصرى فرد ساخرا: هل هناك ناصرية؟! فقلت له باندفاع الشباب وقتها: نعم.

جلسنا وكان معنا وفد يمثل أحزابا أفريقية.. طوال اللقاء كان سيادته يتحدث وينظر لأعلى سقف الخيمة أو لأسفل.. لم أضبطه لمرة ينظر إلى أحد منا. قال لنا كلامه المعاد عن كتابه الأخضر والأزرق والكحلى وكيف أنه يحارب كل طواغيت العالم.

انتهى اللقاء وخرجنا.. ركبنا الأتوبيس.. وكنت قد قررت ألا أحرق دمى، بل أحول المسألة كلها إلى تهريج فسألت المرافق: الرجل الذى جلسنا معه منذ دقائق.. هل هو القذافى أم من؟! فأجاب حارقا دمى: لا أعرف!

هذا المرافق كان دائم التلصص على أى شخصين من الوفد يتحدث على انفراد.. عندما اكتشفنا ذلك قررت أنا ومراسل إذاعة مونت كارلو فى طهران محمد صادق الحسينى ــ الذى صار فيما بعد مستشارا للرئيس محمد خاتمى ولطفى حجى مراسل الجزيرة فى تونس أن نحرق دمه بجد.. نتصنع الحديث وعندما يأتى إلينا نصمت.

خلال أسبوع واحد اكتشفنا كيف أن هذا العقيد دمر ليبيا وشتت شعبها بين القهر والفقر والمنافى.

تصورت أن القذافى دمر روح شعبه، وأنه لا أمل، حتى قامت الثورة لأكتشف كم هو عظيم هذا الشعب.

استمعت إلى الخطاب المجنون لهذا الرجل الذى يصعب التعامل معه بلغة السياسة، بل يحتاج إلى طبيب نفسى.. عندما قال القذافى ما قاله من عته وجنون، وأنه مجد العالم وقائده أدركت أن الثورة نجحت والمسألة فقط هى الوقت!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي