كان هناك يهودى يعيش مع زوجته وأولاده العشرة فى غرفة واحدة ضيقة. تحمّل كثيرا، وجرب كل الحيل لكنها فشلت.. حتى أشار عليه البعض بأن يذهب إلى الحاخام.. وهو ما حدث بالفعل.. وبعد فترة من الأخذ والرد طلب منه الحاخام أن يحضر خنزيرا لكى يعيش مع أسرته اليهودية، استغرب الحل لكنه لم يملك خيارا حتى لا يغضب رجل الدين الحاخام.
وبالطبع فقد أصبحت حياة الأسرة جحيما لا يطاق.. وبعد فترة عاد اليهودى للحاخام كى يجد له حلا.. الأخير ماطله كثيرا وفى النهاية طلب منه أن يطرد الخنزير خارج الغرفة. وعندما نفّذ اليهودى الطلب شعر بأن حياته أصبحت نعيما مقيما وعاد إلى الحاخام ليشكره على الحل السحرى.
القصة السابقة معادة ومكررة ولكنها للأسف صارت مرادفا للعلاقات العربية ــ الإسرائيلية عموما ولقصة ما يسمى بمفاوضات السلام بين الطرفين، التى انطلقت رسميا منذ مؤتمر مدريد نهايات عام 1991، وماتزال جارية حتى هذه اللحظات.
لو راقب أحدكم تفاصيل المفاوضات بين العرب وإسرائيل لأمكنه أن يلاحظ بوضوح أنه فى اللحظة التى يظن فيها الجميع أن مؤشرات الحل السلمى تقترب، تنهار الحكومة الإسرائيلية لسبب أو لآخر.. يذهب من يطلقون عليه الحمامة ليأتى الصقر وهكذا دواليك والعرب لا يملكون سوى الفرجة أو التحسر أو انتظار مجئ المخلص وذهاب الشرير سواء كان ذلك فى واشنطن أو تل أبيب.
إسحق شامير ذهب إلى مفاوضات مدريد مضطرا تحت ضغط جورج بوش الأب لكنه أطلق مقولته الشهيرة أنه سيسعى كى تستمر المفاوضات عشر سنوات، لكنه لم يكن يعلم أنها سوف تستمر أكثر من 17 عاما.
ذهب شامير وجاء إسحق رابين وشمعون بيريز، ووقعا مع عرفات اتفاق أوسلو، وظن البعض أن السلام قد اقترب.. تم قتل رابين وخسر بيريز الانتخابات أمام الصاعد وقتها نتنياهو بفارق أقل من نصف فى المائة.
نتنياهو أذل العرب وجمد العملية، فانتظرنا حتى يذهب «جار السوء» وراهن على الحمامة الوديعة إيهود باراك الذى حاول أن يبيع لعرفات الصفقة المسمومة فى كامب ديفيد عام 2000 بمساعدة كلينتون.
عرفات رفض دخول المصيدة، ودنس شارون الحرم الأقصى فاندلعت الانتفاضة الثانية، وعاثت إسرائيل فسادا ودفنت أوسلو وحاصرت عرفات وقتلته بالسم أو القهر وكافأ الإسرائيليون شارون وانتخبوه زعميا.
بعض العرب ظن أن القاتل يمكن أن يعود بريئا ووثقوا فى شارون الذى خرج من قلب غزة الملتهب ليحاصرها من الخارج حتى سقط فى غيبوبته الأبدية.
جاء أولمرت فقتل ما تيسر له من العرب فى فلسطين ولبنان ثم خرج من الليكود رافعا شعار «إلى الأمام» مع كاديما، وأوهمنا أنه مع الحل السلمى.. وفى اللحظة الموعودة اكتشفنا أن «النظام الديمقراطى الإسرائيلى» تبين له فجأة أن أولمرت فاسد فتم تجميده وأجريت انتخابات جديدة، أتت بنتنياهو ومعه سليط اللسان ليبرمان.
وفى كل المراحل كانت أمريكا تلعب دور «المخدر» للعرب مرة فى كامب ديفيد، وأخرى فى واى بلانتشين، وثالثة فى الميرلاند ورابعة فى أنابوليس وخامسة تحت مسمى خريطة الطريق.. ذهب مبعوثون ورحلوا والعملية مستمرة.
هم يضحكون علينا علنا ونحن نصدقهم، فى الأيام المقبلة سوف يتحول نتنياهو إلى داعية سلام فى نظرنا طالما أن هناك بعبعا بجواره يدعى ليبرمان.
والأخير هو الخنزير فى القصة الشهيرة.. وعندما يقول الإسرائيليون إنه لن يأتى مع نتنياهو إلى القاهرة فسوف نهلل ونفرح ونشكر الحاخام.