فى البلدان التى تحترم نفسها وشعبها لا يمكن أن تمر بأزمة دون الاستفادة منها، ولابد أن يكون هناك مسئول يدفع الثمن.. يعتذر عن الخطأ.. ويقدم استقالته. حتى فى إسرائيل ــ هذا الكيان الاستيطانى المزروع فى قلب أمتنا بالحديد والنار ــ يطبقون ذلك فى حروبهم وأزماتهم، وآخرها اللجنة التى حققت فى إخفاقات عدوانهم على لبنان فى صيف 2006، ووجهت انتقادات لاذعة وقاسية إلى إيهود أولمرت وقادة جيشه.
الآن هناك إدانة رسمية وغرامة مالية من الاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» لاتحاد الكرة المصرى بأنه كان مقصرا فى حماية أتوبيس الفريق الجزائرى الشقيق عندما هاجمه بعض الحمقى والجهلاء والمتعصبين وربما المأجورين.الأخطر من ذلك هو ما سربه أحمد شوبير من وجود دور لبعض المسئولين باتحاد الكرة عن هذا الهجوم، ثم تراجع عنه بعد أن تعرض لهجوم كاسح من أطراف متعددة.نعلم جميعا أن الساعات العصيبة التى سبقت لقاء الفريقين فى القاهرة كانت هى السبب الرئيسى فى زيادة الشحن قبل لقاء الفريقين مرة أخرى فى أم درمان بالسودان فى 18 نوفمبر الماضى.
اتحاد الكرة وجزء كبير من الإعلام المصرى أقام الدنيا ولم يقعدها عما تعرض له المشجعون المصريون فى أم درمان، وللأسف لا نملك أى دليل يثبت ذلك، وبدلا من التصرف بحكمة وعقلانية راح جانب كبير من الإعلام المصرى ومعه بعض الشخصيات العامة يشحن الشارع المصرى بأن كل مشكلاته سيتم حلها عندما ننتقم من الجزائر، بل إن البعض ــ وبخفة منقطعة النظير ــ رآها فرصة للطعن فى انتماء مصر العربى، مطالبا بقطع العلاقات مع كل ما هو عروبى ووصل الجهل وسوء النية بالبعض للطعن فى شهداء الثورة الجزائرية.
نحن فى «الشروق» المصرية وبعض الكتابات القليلة فى وسائل الإعلام المصرية تحدثنا وقتها عن ضرورة تحكيم العقل وعدم الانجراف وراء إثارة «الشعوبية البغيضة»، وتعرضنا لاتهامات متعددة حتى من بعض العقلاء بأننا كنا «عروبيين أكثر مما ينبغى».الآن وقد حصحص الحق أو يكاد.. هل يملك الذين أخطأوا الشجاعة كى يخرجوا ويقولوا للناس الذين تم تضليلهم. لقد أخطأنا فى حقكم وفى حق مصر وحق الجزائر.
أدرك تماما أن جانبا كبيرا من الإعلام الجزائرى ارتكب نفس الأخطاء، بل إن وسائل إعلام «مشبوهة» هناك وجدتها فرصة كى توغل فى العداوة، لكننا وبما أننا نتحدث كثيرا عن أننا الأكبر وأم الدنيا.. والذين فعلنا كذا وكذا.. ينبغى أن نكون المبادرين بالاعتذار والاعتراف بالخطأ.أتمنى أن يخرج كل الذين قادوا الجماهير نحو الحرب الغوغائية أن يعتذروا لأنفسهم ولنا ولكل من أخطأوا فى حقهم.
أتمنى أن يبادر الأصدقاء والزملاء فى كل الفضائيات والصحف والمنتديات للقول بوضوح.. لقد أخطأنا.
أتمنى أكثر أن يبادر السيد علاء مبارك للاتصال بنفس الفضائيات التى تحدث لها بانفعال ويقول لنا إنه ربما تم تضليله بمعلومات غير صحيحة، أو أن اتحاد الكرة المصرى وسائر الجهات التى تحدثت عن «فظائع أم درمان» فشلت فى توثيق ذلك كى نقدمه للفيفا ولمن يهمه الأمر.
أما الطلب الذى ينبغى أن نتمسك به فهو ضرورة تشكيل لجنة تحقيق عاجلة ومستقلة لتقول لنا ماذا حدث بالضبط ومن الذى يتحمل المسئولية.من دون هذه اللجنة، ومن دون وجود مسئول يدفع الثمن، فعلينا أن نتوقع مزيدا من هذه الكوارث فى المستقبل.