كان بودى الاستمرار فى تكملة حلقات الموضوع الذى بدأت بطرحه فى مقال الأسبوع الماضى والدّاعى لانتقال شابات وشباب الأمة لمنهجية عمل متناسقة فى سبيل خروج أمتهم من وضعها الحالى الكارثى. لكنى مضطر لتأجيل ذلك إلى الأسبوع القادم لسبب ما استجدّ على الساحة الفلسطينية العربية من حدثين بالغى الدّلالة، ولا يمكن تجاهلهما أو تأجيل الحديث عمّا يجب أن يقودا إليه.
الحدث الأول هو الحكم القانونى الإنسانى التاريخى الذى صدر عن قضاة محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الصهيونى غير الشرعى للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وغيرها. والحدث الثانى هو القرار الذى اتخذه مجلس الكنيست الصهيونى بشأن نهب وسرقة ما تبقّى من أرض فلسطين المحتلة من قبل الكيان الصهيونى، ورفض قيام أى نوع من أنواع الدولة الفلسطينية على أى جزء من فلسطين العربية التاريخية.
القراران يعبّران عن موقفين متقابلين متضادين: موقف إنسانى حقوقى أخلاقى ضميرى منسجم مع الأسس التى تقوم عليها كل مؤسسات وقرارات هيئة الأمم المتحدة، وموقف استعمارى لصوصى استئصالى لا يصدر إلا عن المافياويات الإجرامية الخارجة على القوانين والأعراف والأخلاق. وأى محاولة للتقليل من أهمية وروعة الموقف الأول أو للتعايش مع الموقف الثانى لن يفعلها إلا المفتونون بالصهيونية والمنافقون من أعداء الله.
السؤال المفصلى يتعلق بمسئولية وواجب والتزامات العرب، ممثلين بمؤتمر القمة العربى أو الجامعة العربية، والمسلمين، ممثلين بمنظمة التعاون الإسلامى: هل سيكتفون بخطابات وبيانات الترحيب بأحدهما والشجب للآخر، دون أن ينتقلوا من حالة الكلام إلى ردّة الفعل المعاقِب الموجع للكيان الصهيونى، بل وحتى ربيبته وحاضنته وحاميته الولايات المتحدة الأمريكية؟
إن أقل ما يجب أن تقوم به تلك الجهات المسئولة، هو أن يقرّروا سحب جميع سفراء الدول الأعضاء العربية والإسلامية التى اعترفت أو تعايشت مع الكيان سابقا، ويطلبوا من الكيان سحب سفرائه المتواجدين فى أى عاصمة من عواصمهم، وأن يفعّلوا فى الحال المقاطعة التامة الاقتصادية والتجارية والمالية والسياحية والإعلامية والثقافية والرياضية، سواء من قبل الحكومات أو من مؤسسات المجتمع المدنى أو من الأفراد، وأن يعتبروا أى نوع من التواجد الاحتلالى الصهيونى فى فلسطين أو فى أى أرض عربية أخرى، كالجولان والأردن والجنوب اللبنانى، وجودا غير شرعى يجب أن يقاوم بكل الطرق بما فيها الوقوف مع القوى المقاومة النضالية العربية الشريفة التى ضحّت وجاهدت بما يرضى الله والضمير والشرف، مع دعمها المادى والمعنوى واحتضان ضحايا وعائلات مجاهديها بكل المعونات المعيشية الضرورية.
فى الوقت نفسه، تقرر الكتلتان فتح معركة سياسية عالمية ضد الكيان الصهيونى فى هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها، وجميع المؤسسات الدولية والإقليمية المتواجد هذا الكيان فيها، وذلك من أجل فضح ممارساته الإبادية ومن ثم طرده من كل تلك المؤسسات وفرض عزلة دولية عليه إلى أن ينصاع للقوانين والقيم والأعراف الدولية بشأن حقوق ساكنى المناطق العربية المحتلة، وكحدّ أدنى أن يقبل مرحليا على الأقل قيام دولة فلسطينية حرة مستقلة كاملة السيادة، وبدون أية شروط تعجيزية يضعها أو أية خيانات يدسّها.
سينبرى البعض بالقول بأن تلك أحلام ينبغيّة نظرية. نعم، هناك أحلام نضالية أخلاقية ضميرية لا تتنازل قط عن حقها فى دحر الباطل طال الزمن أم قصر، نحن أمام فرصة لفضح طبيعة هذا الكيان يجب أن لا تضيع. وإنه لنضال مستقبلى بطولى شريف رائع ينتظر شباب وشابات الأمة وهم يرفعون راية هذه الأحلام ولا يتنازلون عنها قط.