هناك أكثر من طريقة للتعامل مع المأساة الإنسانية المروعة التى حدثت ما بين سواحل محافظتى كفر الشيخ والبحيرة عند مدينة رشيد صباح الأربعاء الماضى، وأدت إلى غرق مركب"موكب الرسول 1" كانت تقل نحو 450 شخصا من المهاجرين غير الشرعيين، غرق منهم ١٦٦ قتيلا حتى موعد كتابة هذه السطور مساء الجمعة الماضى.
الطريقة الأولى هى الأسهل والأسوأ فى نفس الوقت، وهى أن نكتفى بلوم الضحايا لأنهم سلكوا طريقا غير مشروع، وتكدسوا فى مركب متهالك قديم وغير مرخص.
والطريقة الثانية أن نواجه أنفسنا بالحقائق المرة التى أوصلت هؤلاء الشباب إلى هذه النهاية المفجعة، والتى نشاهدها أمام أعيننا كل يوم تقريبا، ثم نغضب ونصرخ ونولول أثناء الكارثة، ثم تعود حياتنا إلى سيرتها الأولى بعده بقليل.
فى الطريقة الأولى يقول البعض بأن الضحية ألقى بنفسه إلى التهلكة حينما باع بعض أثاث بيته أو أرضه أو مجوهرات زوجته، أو اقترض المبلغ الذى يصل إلى مائة ألف جنيه ليدفعه لصاحب المركب حتى يهاجر إلى بلاد توفر فرص عمل وتحترم إلى حد كبير الإنسان بغض النظر عن عرقه أو لونه أو دينه.
يقول البعض إن ثمن التذكرة أو رحلة الذهاب المدفوع لصاحب المركب يكفى أن يبدأ به الإنسان مشروعا منتجا فى بلده. لكن هذا المنطق ينسى أن كل الظروف والأجواء غير مواتية وشبه يائسة، وتدفع الإنسان العاقل إلى أن يقدم بنفسه على رحلة نسب النجاح فيها ضعيفة.
الطريقة الثانية، وحتى إذا وجهنا اللوم للضحايا، لكن اولا واخيرا علينا أن نلوم أنفسنا كمجتمع وحكومة ومؤسسات، ونسأل أنفسنا ما الذى دفع الناس إلى ركوب هذه المركب المتهالكة وغير المرخص ليلقوا بانفسهم إلى التهلكة؟.
لن أدخل فى بكائية عن الجهل والتخلف والإهمال والفساد والفشل التى تحدث عنها كثيرون، لكن سوف أستعير بعض الحلول التى قدمها كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعى ومنهم الزميل سامى عبدالراضى مساعد رئيس تحرير الوطن، حينما كتب على صفحته مقترحا على الحكومة بعض الإجراءات العاجلة، حتى تكون عملية ومفيدة، بدلا من أن تنشغل بالجدل حول هل يستحق الضحايا تعويضات أم لا، وبدلا من إصدار بيانات تعاطف مع الضحايا لن تعيدهم إلى الحياة، وبدلا من تشكيل لجان لا تثمن ولا تغنى من جوع، وبدلا من سرد ما فعلته الحكومة والمحليات خلال الحادث وبعده، وبدلا من كل ذلك على الحكومة أن تقيل محافظ كفر الشيخ التى انطلقت المركب من إحدى مدن المحافظة.
والاجراء الثانى أن يتم إقالة أو نقل مدير أمن كفر الشيخ ومدير المباحث إلى ديوان عام الوزارة والتحقيق معهم بمعرفة التفتيش والرقابة.
والإجراء الثالث أن يتم نقل مأمور مركز دسوق ورئيس المباحث ومعاونيه إلى أماكن أخرى أبعد.
الإجراء الرابع: هو مصادرة أموال التشكيل العصابى وتوزيعها على أهالى وأسر الضحايا.
الإجراء الخامس: محاسبة المسئولين عن تأمين هذه المنطقة البحرية.
هذه هى الإجراءات التى يقترحها كثيرون والملفت فعلا هو التساؤل: أين أجهزة البحث والرصد والمتابعة التى تجعل ٤٥٠ شخصا، وطاقم المركب يتحركون بكل حرية من دون أن يتم رصدهم، أليس واردا بنفس المنطق أن يقوم تشكيل إرهابى بإعداد نفسه والتحرك إلى أى مكان لتنفيذ جريمته من دون أن يتم رصده؟!!.
يقول الناس إن كل أصحاب المراكب الشرعية وغير الشرعية معروفة بالاسم لكل السلطات من أول خفير المركز إلى مدير الأمن والمحافظ، فلماذا يتم تركهم يقتلون الناس بهذه الطريقة؟
هل الأمر ناتج عن إهمال أم تواطؤ أم اقتسام غنائم مع الفاسدين.. ومن الذى يحمى هؤلاء القتلة والمجرمين؟
بصريح العبارة: لا يمكن للأمور أن تستمر بنفس هذا الإهمال. ما تبنيه الحكومة فى سنوات من جهد ومشروعات كبرى، يتم إهداره فى لحظات فى مثل هذه الحوادث. مع مسئولين فى المحليات مثل هؤلاء، فإن الرئيس السيسى والحكومة والبلد بأكمله ليس فى حاجة إلى أعداء فى الداخل أو الخارج!!!.