هوليوود مملكة الخيال وتحدى نتفلكس - سيد محمود - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هوليوود مملكة الخيال وتحدى نتفلكس

نشر فى : الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 - 10:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 24 ديسمبر 2019 - 10:10 م

لم يتوقع الآباء الأوائل لصناعة السينما والترفيه فى هوليوود قبل مائة عام من اليوم التحول الكبير الذى تعيشه هذه الصناعة بعد ظهور منصات العرض الرقمى.
ولم يكن اشد الداعين لمواكبة مستجدات العصر يتوقع ان تأتى اللحظة التى تدفع مخرجا كبيرا مثل مارتن سكورسيزى لعرض احدث افلامه (الرجل الأيرلندى) عبر منصة (نتفلكس) وليس من خلال الشاشات الفضية التى أصبحت تقليدية فى مواجهة نتفلكس التى كشفت لأول مرة فى تاريخها الأسبوع الماضى معلومات حول توسع أعمالها وأعداد مشتريكها الذين بلغ عددهم فى منصة بث العروضات العالمية 158 مليون مشترك عالميا، وكان اغلبهم قادما من خارج الولايات المتحدة بنسبة وصلت 90%
ووصل دخل الشركة من امريكا وكندا فقط 7.4 مليار دولار من الربع الأول حتى الثالث من العام الجارى 2019 والمثير أن نتفلكس تواجه حاليا منافسة شرسة بعد انطلاق العديد من منصات البث الجديدة بمحتوى متنوع ومنها ديزنى بلس وApple TV بلس.
هذا ما تقوله الأرقام لكن ما يقوله التاريخ يكشفه كتاب صدر حديثا فى القاهرة عن دار الطنانى تحت عنوان «هوليوود إمبراطورية اليهود» وميزة الكتاب انه يشير إلى الطبيعة التنافسية التى ارتبطت بنمو الاستثمارات فى مجال السينما كصناعة ابداعية وفى نفس الوقت يكشف عن تعقد شبكة الأفكار والمصالح التى شجعت اليهود المهاجرين من أوروبا عند بداية القرن العشرين إلى الانخراط فى هذه السوق الواعدة ويحول الكتاب كل الأفكار الأيديولوجية التى قبلناها كعرب بشأن سيطرة اليهود إلى معلومات متحررة من نظريات المؤامرة وربما تؤكدها فى بعض السياقات.
ومؤلف الكتاب نيل جابلر هو صحفى ومؤرخ سينمائى صاحب احد اهم الكتب عن صاحب ديزنى لاند وله مؤلفات أخرى عن الترفيه والثقافة الجماهيرية ويؤكد بالتحليل والاستقصاء ان هوليوود قامت على جهود اليهود لكنها سعت لتجنب اليهودية وليس الاحتفاء بها.
ويشير الكتاب الذى ترجمه مصطفى الطنانى بكفاءة بالغة إلى أنه عندما جاءت الحرب العالمية الثانية وأصبحت مواجهة النازية عملا ضروريا تلفح اليهود الأمريكيين بالعلم الأمريكى مفعمين بروح وطنية جديدة يطلقون الفيلم تلو الاخر ضد النازية.
ويكشف الكتاب كذلك عن تباينات مواقفهم من قضايا رئيسية مثل الموقف من الصهيونية والشيوعية.
وطوال اكثر من قرن عمل يهود هوليوود بصرامة على محاكاة الحياة الأمريكية الجديدة وصاغوا حياتهم وفقا للمعايير الأمريكية للسلوك لكنهم فى مرحلة لاحقة تبنوا سياسة الخوف من الأجانب على نحو مرضى ونصبوا أنفسهم مدافعين عن أمريكا لمنع استيعاب اليهود بالمجتمع حتى لا يفسدوا البلاد من وجهة نظرهم ويلوثوها.
وتاريخيا كان لليهود مهارات أهلتهم للتوافق بسلاسة مع صناعة السينما منحتهم مزايا جعلتهم يتفوقون على منافسيهم فقد جاء اغلبهم من صناعة الأزياء ومتاجر التجزئة وبالتالى كانوا أكثر قدرة على تفهم أذواق الجماهير وبارعين فى استشعار تحولات السوق وطرق اكتساب الزبائن، كما كانوا على معرفة وثيقة بأحلام وطموحات المهاجرين الآخرين التى تشكل قاعدة عريضة من جمهور السينما.
وعبر السينما تمكنوا من الاندماج فى المجتمع لأن الأفلام قدمت لهم خيارا بارعا ومن خلال الاستديوهات تمكنوا من خلق وطن جديد ثم خلق امبراطورياتهم الخاصة حيث لم ينالوا الاعتراف فقط بل حكموا العالم من خلال الخيال.
وعندما نقرأ الكتاب وأمامنا أنماط من الصراعات التى تخوضها نتفلكس علينا ان نستعيد الأدوار التى لعبها فى هوليوود اباء الصناعة من أمثال (أدولف زكور، ووليم فوكس ولويس ب ماير وبينامين وارنر) فبفضل هؤلاء ازدهرت السينما داخل أمريكا وأحكمت الأفلام قبضتها على صناعة المخيلة الشعبية فى العالم.
وبفضل فيلم مثل مغنى الجاز الذى تم انتاجه فى 1927 ولدت السينما الناطقة وتغيرت علاقة السينما مع الجمهور وبالمثل نجح فيلم «حدث ذات ليلة» عام 1934 فى ان يكون حدثا قوميا وصار مثالا لما يطلق عليه اليوم «الترويج الشفوى للسلعة» وصنع تاريخا بينما كان المؤرخون غافلين.
واليوم نحتاج لأن نفكر مجددا فيما فعله سكورسيزى مع الرجل الأيرلندى بوصفه خطوة لرسم هذا التاريخ الجديد أم مجرد مغامرة مثل مئات المغامرات التى أجهضتها هوليوود أو مملكة الخيال؟