مع اقتراب بداية عام جديد نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتبة كيرى بويد أندرسون، ترصد فيه أبرز إخفاقات السياسة الخارجية لبايدن وتأثيرها على شعبيته... نعرض من المقال ما يلى:
توضح الكاتبة أن بداية عام 2023 كانت جيدة للرئيس الأمريكى جو بايدن، إذ شعر العديد من خبراء السياسة الخارجية أنه حقق تقدمًا فى إصلاح الضرر الذى لحق بالتحالفات التقليدية من رئاسة دونالد ترامب. لكن على الرغم من رضا فريق بايدن عن نهج واشنطن تجاه الحرب فى أوكرانيا، إلا أن الانسحاب المخزى للقوات الأمريكية من أفغانستان عام 2021 يعكر من صفو هذا الرضا.
تقول الكاتبة إن جميع رؤساء الولايات المتحدة يتولون مناصبهم بقائمة أولويات السياسة الخارجية، ويجب عليهم جميعًا التعامل مع الأحداث الدولية المهددة بإخراج خططهم عن مسارها. لذا تطلبت الحرب فى أوكرانيا بعض التحولات فى السياسة الخارجية، لكن البيت الأبيض كان مستعدًا للحرب، وهو ما يتناسب تمامًا مع السياسة الخارجية لبايدن. ومع ذلك، فإن الحرب فى غزة لا تتناسب مع الرؤية العالمية المسبقة للرئيس أو نهج إدارته فى العلاقات الخارجية. علاوة على ذلك، تهدد الانقسامات السياسية الداخلية بتقويض السياسة الخارجية لواشنطن.
وفى الوقت نفسه، يتعين على إدارة بايدن أن تستمر فى محاولة معالجة القضايا الأخرى، بما فى ذلك صعود الصين وتغير المناخ. هذا كله يشير إلى أن عام 2024 سيشكل تحديا للسياسة الخارجية، حتى قبل النظر إلى احتمال حدوث مفاجآت جديدة فى الشئون الخارجية وتأثيرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
فى البداية، حصدت سياسة واشنطن تجاه أوكرانيا نتائج جيدة إلى حد ما، حيث تمكن بايدن من حشد الدعم الأوروبى والدولى لأوكرانيا بسرعة. وقدمت الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة لكييف. كذلك أبهر الأوكرانيون العالم بقدرتهم على عرقلة الخطط الروسية للسيطرة على بلادهم. على سبيل المثال، قدمت الولايات المتحدة حتى الآن أكثر من 44 مليار دولار من المساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ فبراير 2022، وفقا لوزارة الخارجية، بالإضافة إلى مليارات الدولارات فى أشكال أخرى من المساعدة.
ومع ذلك، لا تنتهى معظم الحروب بسرعة وبشكل نظيف. فى العقود الأخيرة، خرجت الأمور عن السيطرة مما تطلب مجهودا أكبر من واشنطن. وفى سياق من الانتصارات الأقل حسما، والخطوط المجمدة والحرب غير المتكافئة، يكافح قادة الولايات المتحدة من أجل تحديد الأهداف السياسية والعسكرية الحاسمة بوضوح.
لقد أظهر العام الأخير من الحرب فى أوكرانيا مدى صعوبة حسمها على المدى القريب والتنبؤ بنتائجها. فعلى الرغم من الجهود المبهرة لصد القوات الروسية، إلا أن هذه الجهود توقفت عن إحراز أي تقدم، مما يوحى باحتمالية استمرار الحرب لفترة طويلة.
ويدرك أعداء الولايات المتحدة جيدا أن الوحدة الأمريكية خلف قضية ما تميل إلى التلاشى بمرور الوقت. وقد أدى التضليل الروسى إلى تفاقم الانقسامات داخل السياسة الأمريكية. للتوضيح، يؤيد الديمقراطيون إلى حد كبير مساعدة أوكرانيا، لكن الزعماء الجمهوريين منقسمون بشأن هذه القضية. فقد أظهر استطلاع للرأى أجرته مؤسسة جالوب مؤخرا أن 62% من الجمهوريين قالوا إن الولايات المتحدة تفعل الكثير لمساعدة أوكرانيا، مقارنة بـ 14% فقط من الديمقراطيين الذين وافقوا على ذلك.
وتعلم موسكو وكييف أن فوز الجمهوريين فى الكونجرس أو البيت الأبيض فى انتخابات العام المقبل من شأنه أن يقوض المساعدات المقدمة لأوكرانيا. بالتالى، سيشكل هذا تهديدا كبيرا لسياسات بايدن؛ فبمجرد التفكير بأن هذا الدعم قد يكون قصير الأجل يعرض جهود بايدن للخطر.
• • •
على عكس الغزو الروسى لأوكرانيا، فاجأ هجوم حماس فى السابع من أكتوبر واشنطن لذا واجه القادة الأمريكيون صعوبة فى التكيف. فامتزج رد فعل بايدن والعديد من القادة الأمريكيين على هجوم حماس بين الرعب والغضب. أولا، عرض بايدن الدعم الكامل لإسرائيل وافتخر بكونه «أول رئيس أمريكى يزور إسرائيل فى وقت الحرب». ثانيا، يتمتع بايدن بالتزام شخصى طويل الأمد تجاه إسرائيل، فهو ينتمى لجيل من القادة الذين قدموا منذ فترة طويلة دعمًا لا جدال فيه لإسرائيل.
لكن يبدو أن بايدن والعديد من كبار المسئولين حوله فشلوا فى توقع ما سيحدث بعد هذا الدعم، على الرغم من أنه كان من الممكن أن يتوقعه العديد من ممارسى السياسة الخارجية الأصغر سنا بسهولة. ويبدو أن حصيلة القتلى الهائلة والكارثة الإنسانية التى صاحبت الرد العسكرى والاقتصادى الإسرائيلى على هجوم حماس فاجأت بايدن وفريقه رفيع المستوى.
• • •
لطالما عرض الدعم الأمريكى السخى لإسرائيل واشنطن لاتهامات بالنفاق، مما أدى إلى تعقيد دبلوماسيتها فى الشرق الأوسط. فإن التحول اليمينى المتطرف فى السياسة الإسرائيلية والمعاناة فى غزة منذ 7 أكتوبر يهددان بإلحاق أضرار جسيمة بالأهداف الدبلوماسية الأمريكية فى المنطقة والعالم. وكان أحد الأهداف الرئيسية لإدارة بايدن فى المنطقة هو توسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، لكن الحرب فى غزة تعرقل تلك الجهود. علاوة على ذلك، هناك مخاوف بشأن خطر نشوب صراع إقليمى أوسع.
فى الواقع، إن الدعم الأمريكى اللا محدود لإسرائيل فى ظل الظروف الحالية يزيد من الشعور فى معظم أنحاء العالم بأن واشنطن ليست جادة فى دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستقرار والازدهار. وهذا يعرض العديد من الأهداف الدبلوماسية للخطر.
داخليا، يواجه بايدن رد فعل عنيفا من الديمقراطيين الشباب، الذين يعترضون على تقديم مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية للحكومة الإسرائيلية التى تقتل آلاف المدنيين فى غزة متجاهلة نصائح القادة الأمريكيين.
لقد حاول بايدن مرارا وتكرارا إقناع الأمريكيين بأن مكافحة العدوان الروسى فى أوكرانيا وإرهاب حماس فى إسرائيل مرتبطان ارتباطا وثيقا. وفى خطاب ألقاه فى 20 أكتوبر، قال: «إن حماس وفلاديمير بوتين يمثلان تهديدين مختلفين، لكنهما يشتركان فى هذا الأمر: كلاهما يريد القضاء تمامًا على ديمقراطية مجاورة». وقال إن السماح للإرهابيين بالإفلات من (العقاب) وللديكتاتوريين بالإفلات من العدوان يؤدى إلى المزيد من «الموت والدمار». فقد قدمت إدارته نظام بوتين وحماس باعتبارهما تهديدين للنظام العالمى.
ولا يبدو أن جهود بايدن للربط بين الحربين من أجل الحصول على الدعم لتقديم المساعدات الأمريكية لكل من إسرائيل وأوكرانيا مقنعة للعديد من الأمريكيين. فالحزب الجمهورى منقسم بشأن استمرار الدعم لأوكرانيا، كما أن الديمقراطيين يشككون فى جدوى المساعدات غير المشروط المقدمة لإسرائيل.
ومع ذلك، هناك شىء مشترك بين الحربين من حيث السياسة الخارجية: لا توجد نهاية واضحة. ولم تكن إدارة بايدن واضحة، على الأقل علنًا، بشأن ما تأمل فى تحقيقه من خلال المساعدات المستمرة لأوكرانيا، إلى جانب دعم أوكرانيا بشكل عام ووقف العدوان الروسى. وعلى نحو مماثل، فإن افتقار إسرائيل إلى حل نهائى قابل للتطبيق فى غزة يؤدى بالفعل إلى خلق تصدعات فى علاقة الحكومة الإسرائيلية بالبيت الأبيض.
• • •
على الصعيد الآخر، تظل الصين على رأس الأولويات الأمريكية. لذا التقى بايدن بالرئيس الصينى شى جين بينج، فى نوفمبر الماضى، كمحاولة لتحقيق الاستقرار فى العلاقات بين البلدين للحد من وتيرة العداء. وتعتبر واشنطن بكين منافسًا لها لذا تريد الحد من نفوذ الصين العالمى مع الاحتفاظ بالعلاقات الاقتصادية مع بكين والتعاون فى القضايا المهددة لكلا البلدين.
قول آخر، تشكل قضية أزمة المناخ أولوية أيضا. فحقق بايدن بعض النجاحات الملحوظة فى معالجة تغير المناخ على صعيد السياسة الداخلية؛ أما فى السياسة الخارجية فهذا النجاح أقل وضوحا. على سبيل المثال، فى مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ، تعهدت نائبة الرئيس كامالا هاريس بتقديم 3 مليارات دولار لصندوق المناخ الأخضر، ولكن من غير الواضح ما إذا كان الكونجرس سيوافق على هذه الأموال أم لا؟.
هذا ليس كل شىء، توجد قضايا أخرى على قائمة أولويات السياسة الخارجية، منها الأمن على الحدود الجنوبية، وإدارة التهديدات من إيران، وتوسيع الوجود الأمريكى فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ.
ومع إجراء الانتخابات فى نوفمبر 2024، سيكون للسياسة الداخلية تأثيرات كبيرة على السياسة الخارجية. سيتعين على بايدن أن يتعامل مع اعتراضات الجمهوريين على دعم أوكرانيا، وقلق الديمقراطيين المتزايد بشأن مقتل المدنيين الفلسطينيين، والضغوط المستمرة من الديمقراطيين لمعالجة تغير المناخ، وما إلى ذلك. وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة جالوب فى نوفمبر أن 32% فقط من الأمريكيين يوافقون على سياسة بايدن الخارجية.
إذا كان ترامب هو المرشح الجمهورى، وهو أمر مرجح، فإن المنافسة الثانية بين بايدن وترامب سوف تسلط الضوء على منهجين مختلفين تماما فى التعامل مع دور الولايات المتحدة فى العالم.
ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلي