رغم الخلاف مع معظم سياسات وأفكار وسلوكيات فاروق حسنى وزير الثقافة، لكن خسارته الأسبوع الماضى لمعركة رئاسة اليونسكو أمر يدعو إلى الحزن والأسف.
مبعث الحزن أنه أولا مصرى، وثانيا أن نجاحه كان يعنى تركه لمنصبه وحدوث تغيير طال انتظاره للسياسات والأفكار المتكلسة المهيمنة على الثقافة المصرية منذ جلوسه على كرسى الثقافة المصرية قبل أكثر من 22 عاما.
من حق فاروق حسنى ألا يشعر بالخجل بعد المعركة الشرسة التى خاضها، ومن حقه أيضا أن يسأل الذين طلبوا منه الترشح لماذا أوهموه أنه سيخوض معركة أقرب إلى السباحة فى حقول مرجان ضحلة ثم فوجئ بأنه وسط حيتان أوروبية أمريكية صهيونية متلمظة لكل ما هو عربى ومسلم حتى لو كانت سياساته وأفكاره مختلفة.
المؤكد أن إدارة معركة اليونسكو كانت مختلفة تماما مقارنة بالطريقة «الهلالية» نسبة إلى خالد الذكر الدكتور على الدين هلال وانتهت بصفر مونديالى غير مسبوق فى معركة تنظيم مسابقة كأس العالم والتى ذهبت إلى جنوب أفريقيا.
درس اليونسكو يقول إننا نستطيع كسب مثل هذه الرهانات لو امتلكنا حدا أدنى من التنظيم والتفكير والأهم اختيار الشخصيات المناسبة لمثل هذه المواقع.
هل الأمور متروكة للمصادفة والمزاج الشخصى عند اختيار المرشحين للمناصب الدولية؟ ألا نملك الحق فى سؤال القائمين على الأمور لماذا أصروا على اختيار فاروق حسنى رغم كل المطالبات الفرنسية والأمريكية باستبداله بأى شخص مصرى آخر نظرا لسيرته المهنية غير المناسبة لليونسكو؟
قد «يتفذلك» البعض ويقول نحن أحرار نختار من نريد ولا نخضع لمطالب الغرب.. قد يكون ذلك صحيحا إذا كنا لا نسمع لأمريكا والغرب فى سائر المجالات، أو فى هذه الحالة علينا ألا نتفاجأ و«ننصب المندبة» ونندهش مما نسميه بالمؤامرة والمكيدة التى تم إيقاع فاروق حسنى فيها.
معركة اليونسكو كانت مختلفة، لكن الأفكار «الهلالية» مع كل التقدير لشخص د. على الدين هلال لا تزال تسيطر على أفكارنا ومفادها أننا الأفضل فى العالم، وأن مجرد رغبة رئيس الجمهورية أو أى مسئول كبير فى ترشيح شخص لمنصب دولى، فذلك يكفى لفوزه.
مثل هذه المعارك الدولية ليست نزيهة وتخضع لصفقات ومقايضات ومساومات غير بريئة أو نظيفة فى كثير من الأحوال.. سلاح هذه المعركة هو التبادلية، بمعنى أن البرازيل ستؤيد مثلا مقابل أن نؤيد ترشيح ممثلها فى منصب دولى آخر، أو أن تعطينا تنزانيا صوتها مقابل مشروع استثمارى هناك، بل يصل الأمر إلى دفع رشاوى خفية حينا وعلنية أحيانا.
الهرجلة والفهلوة والهمبكة التى نتعامل بها مع مثل هذه الأمور دفعت سفير العدو الصهيونى السابق فى القاهرة تسفى مزئييل للتشفى فى هزيمة فاروق حسنى والقول إن المنظمات الصهيونية ليست المسئولة عن هذه الخسارة، بل المسئول هو الانهيار الثقافى فى مصر، والسياسات الشمولية التى رشحت شخصا غير مؤهل ومعادٍ لحرية الفكر لهذا المنصب الدولى.
وبغض النظر عن كون فاروق حسنى ضحية أو مسئولا عن الفشل فى معركة اليونسكو الأخيرة، فقد آن الأوان للتوقف عن العبث باسم مصر فى المحافل الدولية، وأحد الأطراف المطالبة بالتوقف هو الإعلام الحكومى الكسول الذى مارس عبثا غير مسبوق لم يفكر فيه حتى يوجين يونسكو رائد مسرح العبث.. لكن تلك قصة أخرى.