فى الليلة الختامية بالحسين - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى الليلة الختامية بالحسين

نشر فى : الجمعة 27 يناير 2017 - 10:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 27 يناير 2017 - 10:25 ص

فى العاشرة مساء الاثنين الماضى، ذهبت إلى حى الحسين، لحضور الليلة الختامية للمولد حيث يتم الاحتفال باسقرار رأس الحسين في مصر. لا أذهب إلى هذه الموالد لأننى متصوف، ولا أقاطعها لأننى سلفى، بل أحرص قدر الإمكان على ارتياد الموالد، لأني أراها أحد المفاتيح لفهم كيف يفكر ويعيش بعض المصريين، وما هو مزاجهم الآن.

عندما كنت صغيرا في الصعيد حتى المرحلة الثانوية، كنت أزور سنويا مولد السيدة العذراء فى الدير المحرق بمركز القوصية بمحافظة أسيوط، حيث درست المرحلة الإعدادية، ولم نكن وقتها نفكر فى حكاية المسلم والمسيحى.

كنا نذهب نحن المسلمين أبناء القرى المجاورة للدير إلى هذا المولد أواخر يونيو سنويا. كنا نذهب أيضا لمولد الفرغل فى أبوتيج، ونزور دشلوط بديروط حيث آل أبوالعيون. وكنا مغرمين فى هذا الوقت بالشيخ ياسين التهامى، ابن قرية الحواتكة بمركز منفلوط، قبل انه يصير مشهورا بل منشد وقارئ للقران في الأفراح والجنازات.

فى أول أغسطس 1990 زرت المسجد الأموى بدمشق، وقالوا لى إن رأس الحسين مدفون فيه. وفى صيف 1997 زرت النجف وكربلاء وصليت الظهر والعصر، وقالوا لى إن الرأس لحق بالجسد هنا، حيث قتل في كربلاء في العاشر من المحرم عام 61 هجرية وكان قد ولد عام أربعة هجرية. ويقال إن الراس مدفون في البقيع بالسعوية.

وعندما قرأت عن الموضوع اكتشفت أن أكثر من مكان يعتقد أن رأس الحسين مدفون عنده بما فيها بالطبع نحن فى مصر.

فى مولد الحسين وسائر الموالد الكبرى، يمكنك أن تنظر إلى وجوه الناس لتعرف أحوالهم. فى هذه الليلة كان هناك أناس من كل الفئات. بهوات وأفندية ومساكين على باب الله. الغالبية من القادمين من الريف والصعيد. رجال مسنون وسيدات وأطفال أيضا. تركوا بيوتهم وأشغالهم وجاءوا لينصبوا خيامهم في الشوارع الجانبية، ومن يسعده الحظ يقيم فى أحد فنادق الدرجة الثالثة. وبعضهم اكتفى بافتراش جزء صغير على الرصيف.

ومن حجم الحشود يمكن أن تتأكد أن عدد الصوفيين ليس قليلا كما يعتقد بعض أنصار السلفية، الذين حاولوا مرارا تعطيل هذه الاحتفالات مرارا، وفشلوا باستثناء العام الذى حكم فيه الإخوان مصر.

لست مشغولا بالخلاف الصوفى مع السلفيين والإخوان فى هذه المساحة الصغيرة، لكننى كنت مشغولا هذه الليلة بمراقبة الوجوه علها تكشف عن خبايا النفوس.

المبيعات قليلة، وحجم الشكوى من الأسعار والغلاء يمكنك أن تسمعه فى كل لحظة، فأقل كوب شاى فى «قهوة عجرانة» لا يقل عن ثلاثة جنيهات، وكان ثمنه قبل التعيوم بجنيه فقط، ورغم ذلك فقد كان الحاضرون يحاولون ربما نسيان هموم الغلاء واختلاس لحظات من الإندماج فى حلقات الذكر بحثا عن راحة نسبية تساعدهم على تحمل هذه الأيام الصعبة.

بعض المظاهر القديمة ماتزال موجودة خصوصا «أرغفة اللحمة» لكنها كانت قليلة جدا بفعل الأزمة الاقتصادية، وحل محلها الكشري والفول النابت، لكن الجزء الأكبر من المولد صار يحتله باعة ألعاب الأطفال والحمص والفول السودانى واللب وبقية التسالى. وشأن ما يحدث فى الموالد الأخرى، فإن كل أصحاب طريقة أو حتى مجموعة قادمة من مكان معين، ينشغلون بالذكر طبقا لطريقتهم، أو كيفما تيسر، لكن الثابت أن الكبار ينقلون الطريقة والطقوس للصغار.

كان مفترضا أن تكون الليلة الختامية مساء الثلاثاء الماضى، لكن تدابير أمنية نصحت بتقديمها يوما حتى لا تتزامن مع تأمين احتفالات 25 يناير، على أن يستمر الاحتفال حتى صباح الخميس بالنسبة للحاضرين.

بعد أن انتهى الشيخ محمود ياسين التهامى من مديحه، أمسك أحد مقدمى الحفل بالميكروفون قائلا: «شعائر الإمام الحسين خط أحمر، ولا يجوز لشخص أو جهة أن يتعرض له، كان واضحا أنه يخاطب السلفيين، ثم خرج عن الخط وبدأ يقول للحاضرين: «عندما تتعرضون لألم أو مرض لماذا تذهبون للطبيب، تعالوا للحسين وسينتهى كل شىء».

استغفرت الله فى سرى ووحدته لا شريك له، وتأكدت أنه لا أمل في المستقبل إلا عندما نعتمد على العلم والمعرفة ونهجر الخرافة سواء كنا سنة أم شيعة، صوفيين أو سلفيين، إخوان أم لبيراليين. وبعدها بدأ عميد المنشدين الشيخ ياسين التهامى ينشد والناس تتمايل يمينا ويسارا غير مكترثة بالبرد الشديد أو الزحام الأشد.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي