هل لا يزال للأمن الجماعي في الشرق الأوسط فرصة للبقاء؟ - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 27 يونيو 2025 11:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما توقعاتك لمعارك إسرائيل مع إيران؟

هل لا يزال للأمن الجماعي في الشرق الأوسط فرصة للبقاء؟

نشر فى : الجمعة 27 يونيو 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 27 يونيو 2025 - 7:25 م

دفعت المواجهة الثلاثية بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران بمنطقة الشرق الأوسط إلى حالة عميقة من انعدام الأمن، وعدم الاستقرار، والاستخدام الواسع النطاق للقوة العسكرية، وهو وضع قد يستمر لفترة طويلة.

وبغض النظر عن الفوارق الكبيرة فى القدرات العسكرية والتكنولوجية والاستخباراتية بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى - وبغض النظر أيضًا عن حجم الدمار الذى خلفته الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية والعلماء النوويين وأجزاء كبيرة من القدرات العسكرية الإيرانية - لا تزال حكومة الجمهورية الإسلامية تحتفظ بصواريخ وطائرات مسيّرة وبقايا من وكلائها الإقليميين الذين يمكنها تزويدهم بالسلاح. ويمكن استخدام هذه الموارد، فى حال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار المُعلن مؤخرًا بين إيران وإسرائيل، لاستئناف إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وتهديد القواعد العسكرية الأمريكية فى الخليج والعراق، وإغلاق مضيق هرمز الحيوى أمام تجارة النفط العالمية، وتهديد ممرات مائية رئيسية أخرى فى المنطقة مثل البحر الأحمر، عبر جماعة الحوثى، وكيل إيران فى اليمن.

وقد تسفر المواجهة الثلاثية بين إسرائيل والولايات المتحدة وإيران أيضًا عن نتائج غير مقصودة تزيد من انعدام الأمن فى المنطقة.

• • •

إن الطموح المتهور للائتلاف اليمينى الحاكم فى إسرائيل بالسعى لتغيير النظام فى إيران، والنتائج المحتملة للمواجهة فى الأيام الأخيرة، قد يفتحان الباب أمام سيناريو جهنمى من العنف الأهلى وعدم الاستقرار طويل الأمد فى بلدٍ يتمتع بعدد سكان كبير وجغرافيا استراتيجية واسعة. وسيكون ذلك تكرارًا كارثيًا لتجارب تغيير النظام الفاشلة فى العراق وليبيا وأماكن أخرى. لم يعد من الدقيق الافتراض بأن الجمهورية الإسلامية قادرة على الاستمرار دون اهتزازات داخلية خطيرة. وستكشف الأشهر القادمة عن حجم الاضطرابات السياسية والاجتماعية التى تنتظر حكام طهران.

وبعد استهداف إسرائيل المتكرر لوكلاء إيران وحلفائها، ثم الهجمات الإسرائيلية والأمريكية المباشرة على إيران وعلى قلب برنامجها النووى، بات من الصعب تصور عودة إيران إلى موقعها السابق كقوة إقليمية مؤثرة، ومنافسة لإسرائيل، وخصم فعال للمصالح الأمريكية، وهو الدور الذى تبنته منذ سقوط نظام صدام حسين فى العراق عام 2003. وقد يدفع هذا الوضع إيران إلى تصعيد متهور. فقد أدت احتمالية تدمير المنشآت النووية واغتيال العلماء النوويين وتفكيك جزء كبير من قدرات إيران العسكرية إلى تقويض صورة الجمهورية الإسلامية كـ«دولة قوية». وبعد أن تلقى وكلاؤها ضربات قاسية من إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، قد يواجه المرشد الأعلى على خامنئى والنخب الحاكمة فى إيران فقدانًا هائلا للشرعية، مما قد يدفعهم إلى ردود أفعال انتقامية غير محسوبة وغير منضبطة فى المنطقة.

وعلى الرغم من الدمار الذى ألحقته الضربات الإسرائيلية بحزب الله، وتدهور قدرات الحوثيين العسكرية بفعل الهجمات الأمريكية المتكررة، والقيود التى تفرضها حكومة رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى على الميليشيات العراقية، فإنه من الصعب تصور بقاء هذه الوكلاء فى حالة من السكون التام. فقد يلجأون لاستخدام ما تبقى لديهم من صواريخ وطائرات مسيّرة لمهاجمة إسرائيل أو تهديد الأصول الأمريكية، مما قد يعيد إشعال الحرب إقليميًا، رغم وقف إطلاق النار المعلن حاليًا.

وتصب هذه التطورات الدراماتيكية فى صميم الرؤية الاستراتيجية والسياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، الذى يدّعى أن إسرائيل قادرة على إعادة تشكيل ميزان القوى فى الشرق الأوسط، والخروج كالقوة الوحيدة المهيمنة عسكريًا وأمنيًا. غير أن نتنياهو وائتلافه اليمينى المتطرف يعتزمون استغلال هذه الهيمنة لطمس القضية الفلسطينية، وفرض التطبيع مع الدول العربية دون الاعتراف بحق الفلسطينيين فى تقرير المصير، ودون مبدأ الأرض مقابل السلام أو مبادئ الأمن الجماعى، ولتفكيك القدرات النووية والعسكرية لإيران بينما تحتفظ إسرائيل بترسانتها النووية. ولكن، هل يمكن لمثل هذا الاختلال الشديد فى موازين القوى - بين قدرات إسرائيل الواسعة وكل الآخرين - أن ينتج أمنًا حقيقيًا أو سلامًا دائمًا؟

• • •

اليوم، يُخشى أن تكون إسرائيل قد أصبحت القوة المهيمنة عسكريًا وأمنيًا واستخباراتيًا فى المنطقة - قادرة على الوصول إلى أعدائها بمفردها أو بمساعدة أمريكية. وهى تحكم من قبل حكومة يمينية متطرفة ترى أن القوة العسكرية هى السبيل الوحيد لتحقيق رؤيتها للأمن. وتدفع المغامراتية العسكرية الإسرائيلية، المدفوعة بالتفوق التكنولوجى، هذه الحكومة نحو القضاء الكامل على الحقوق الفلسطينية - من خلال الاستيطان، والتهجير، والترويج المتكرر لفكرة «الشرق الأوسط الجديد» الذى تفرض فيه إسرائيل سلامها بالقوة.

ومن خلال حربها على إيران وجرّ الولايات المتحدة إلى الصراع، تبعث حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة فى تل أبيب برسالة تهديد إلى جميع العواصم الإقليمية - عربية وغير عربية، بما فى ذلك تركيا: يدنا طويلة، ويمكننا الوصول إلى أى مكان. وفى هذه المرحلة، فإن الخاسرين الحقيقيين هم دول الشرق الأوسط التى تسعى إلى الأمن الجماعى، وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، ومنطقة خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل - لا البرنامج النووى الإيرانى وحده - وتطمح إلى تجنب سباقات التسلح التى تجد نفسها مندفعة نحوها بفعل تصاعد انعدام الأمن وعدم الاستقرار.

هنا، تخسر مصر، والسعودية، وتركيا، والإمارات، وقطر- القوى الإقليمية الرئيسية فى الوساطة. فمنذ 7 أكتوبر 2023، حاولت هذه الدول وقف حرب الاستنزاف المستمرة على جبهات متعددة: فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، واليمن. وسعت إلى استخدام الوساطة والدبلوماسية لإنهاء إراقة الدماء فى غزة، ووقف مخططات الاستيطان والتهجير فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وإحياء حل الدولتين كطريق لتسوية الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى، واقتراح أفكار جديدة للأمن الجماعى من شأنها كبح جماح المغامراتية العسكرية الإسرائيلية المباشرة، والمغامراتية الإيرانية عبر الوكلاء.

اليوم، وبعد لجوء إسرائيل والولايات المتحدة وإيران جميعًا إلى القوة العسكرية، ولو لمدة اثنى عشر يومًا، وبعد أن تخلت إدارة ترامب عن الدبلوماسية كأداة لحل قضية البرنامج النووى الإيرانى أو تهذيب سلوك إيران الإقليمى، وفشلت فى كبح جماح المغامراتية العسكرية الإسرائيلية، تبدو آمال مصر والدول العربية وتركيا فى تسوية سلمية للنزاعات وترتيبات أمن جماعى فى الشرق الأوسط، على الأقل فى الوقت الراهن، وكأنها قد انهارت.

عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
التعليقات