إذا علقنا كل مشكلة فى البلد على رقبة الإخوان، فقد يعفى ذلك بعض المسئولين من اللوم مؤقتا، لكن فى المقابل إذا صدقنا تلك الشماعة، فالمعنى الخفى ان هذه الجماعة صارت عملاقة وقادرة على التأثير فى كل الأزمات والقضايا، وبالتالى لا يحق للمسئولين الادعاء بأنها فقدت شعبيتها أو جماهيريتها أو تأثيرها.
قبل يومين اتهم خلف الزناتى نقيب المعلمين جماعة الإخوان بأنها تقف خلف دعوات التظاهر الخاصة بالاحتجاج على قانون الخدمة المدنية، جازما كما قالت صحيفة «الوطن» يوم الأحد الماضى «نحن متأكدون من ذلك بتسجيلات موثقة».
الطبيعى والمنطقى والبديهى ان تحاول جماعة الإخوان العكننة على الحكومة بكافة الوسائل المتاحة، فإذا كانت الجماعة تعترف بأن بعض أنصارها هم الذين يقفون خلف العمليات الإرهابية الخاصة بتدمير أبراج ومحطات الكهرباء وبعض الاعتداءات على ضباط الشرطة، فهل يتورعون عن المشاركة فى مظاهرة، أو التحريض على أى مظاهرات واحتجاجات شعبية سلمية؟!.
تراهن جماعة الإخوان على أن أى مشاكل للحكومة مع الشعب بشأن القضايا المعيشية والاقتصادية قد تصب فى صالحها، وبالتالى ستسعى للمشاركة فى كل هذه الاحتجاجات، وسوف ترتكب الحكومة خطأ فادحا اذا صدقت أو بررت ان الإخوان يقفون بالفعل خلف كل هذه الاضطرابات العمالية والاجتماعية.
مرة أخرى إذا كانت الجماعة قادرة على تجييش كل هذه القطاعات للاحتجاج على قانون الخدمة المدنية، فالمعنى الوحيد أنها لاتزال القوة الأكبر فى مصر.
تقديرى الشخصى أن كل ذلك ادعاءات، ومن يتعلل بها فإنه يساعد الجماعة من دون أن يدرى. المؤكد أن الجماعة لا تزال موجودة ولم تتبخر ولايزال لديها أنصار ومريدون وخلايا نائمة بالكامل أو نصف نائمة، لكن الأكثر تأكيدا أنها فقدت الكثير من تأثيرها، وغالبية كوادرها غير المحبوسين اما هاربون أو مطاردون او مشغولون بزيارات السجون أو إعالة أسر المحبوسين .
الحقيقة المرة التى يجب على الحكوة أن تعترف بها وتتعامل معها بشجاعة أن هناك معارضة شعبية للعديد من السياسات والقرارات والقوانين. هذا أمر منطقى وطبيعى، وموجود فى العالم كله. مواجهة ذلك يكون بالتعامل مع أصول المشكلات، والاستماع إلى وجهة نظر المحتجين والتفاوض معهم، وليس الاكتفاء باتهام جماعة الإخوان بأنها هى التى تحرض الناس على الاحتجاج؟!.
بهذا المعنى الساذج لبعض انصار الحكومة فإن جماعة الإخوان تكون قد اخترقت وسيطرت على كل قطاع التعليم، وعلى وزارة المالية، وكل الوزارات والهيئات والقطاعات التى يحتج بعض العاملين بها على قانون الخدمة المدنية. الذين يتهمون الإخوان بذلك، يقدمون لها أفضل خدمة ممكنة فى هذا الوقت العصيب الذى تمر به الجماعة. أولا: هم يصورونها باعتبارها الجماعة التى تتضامن مع العمال والموظفين فى المطالبة بزيادة رواتبهم أو على الأقل عدم تخفيضها أو التأِثير فى الكادر الخاص الذى تتعامل به بعض الوزارات. وثانيا: يظهر الجماعة بأنها لم تتأثر بالمرة بكل الضربات الأمنية القوية التى تعرضت لها ابتداء من صبيحة ١٤ أغسطس ٢٠٣.
وثالثا يختزل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية فى مصر وكأنها تحريض من جماعة الإخوان، فى حين يعلم القاصى والدانى اننا نعانى من أزمة شاملة ليست الحكومة الحالية فقط هى المسئولة عنها، بل هى نتيجة تراكم سياسات فاشلة منذ فبراير من عام ١٩٧٤ أو الانفتاح الاقتصادى السداح مداح. وبالتالى على الحكومة ان تعالج أصل المشكلة وتصارح الناس بالحقائق المرة والصعبة، بدلا من شماعة الإخوان التى صارت متهالكة.