بعد 675 يوما من التحقيقات الجادة، أكدت وزارة العدل الأمريكية أنه لن يتم توجيه اتهامات إضافية فيما يتعلق بالتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتى أتت بدونالد ترامب رئيسا لأمريكا.
وتعد تبرئة للرئيس ترامب وكبار مساعديه من أى مخالفات جنائية أو قانونية بمثابة أنباء جيدة للبيت الأبيض الذى تتركز أنظاره الآن على كيفية استغلال ما انتهى إليه تقرير مولر لخدمة هدف إعادة انتخاب الرئيس ترامب العام المقبل. وهو ما يبدو الآن هدفا سهل المنال.
***
تعامل المحقق مولر مع قضيتين أساسيتين، تتعلق القضية الأولى بحجم وطبيعة التدخل الروسى الذى أكدته كل الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية وهل كان هناك تواطؤ بين حملة ترامب أو ترامب شخصيا مع الجانب الروسى. وتعلقت القضية الثانية بالإجابة على سؤال هل تعمد الرئيس ترامب إعاقة العدالة عندما اتخذ قراره بإقالة المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية (المشرف على تحقيقات التدخل الروسى فى الانتخابات حينذاك)، ترك المحقق روبرت مولر لوزير العدل روبرت بار تحديد ما إذا كانت أفعال الرئيس دونالد ترامب تمثل «إعاقة للعدالة». من هنا راجع بار مع نائبه الذى أشرف على التحقيقات منذ يومها الأول رود روزينشتين وانتهوا إلى خلاصة أن «الدلائل التى توصلت إليها تحقيقات المحقق الخاص لا تمثل تأكيدا على أن الرئيس دونالد ترامب ارتكب جريمة إعاقة العدالة».
***
وبدأ الجمهوريون من أنصار ترامب احتفالاتهم بانتهاء التحقيق دون توجيه أى اتهامات جنائية جديدة، وطالبوا أن يعلن انتصار ترامب فى حربه الطويلة ضد القوى التى لم يرق لها وصول شخص كترامب للبيت الأبيض.
أما الديمقراطيون فقد استمروا فى حالة الإنكار واتحدوا فى مطلبهم بإعلان التقرير كاملا للشعب الأمريكى وأن يتحلى وزير العدل بالشفافية الكاملة فى تعامله مع الأمر. ويحلم الديمقراطيون بأن عدم توجيه مولر اتهامات جنائية إضافية هو التزام بقواعد وزارة العدل التى تمنع توجيه اتهامات جنائية لرئيس أثناء وجوده فى الحكم، لكن ربما يتضمن التقرير من المعلومات والدلائل ما يدين الرئيس سياسيا ويشكك فى صلاحية بقائه على رأس السلطة التنفيذية. ويبنى الديمقراطيون أحلامهم على أسئلة وشكوك كبيرة لم يتم الرد عليها بعد وتتعلق ببناء برج لترامب فى وسط موسكو، ولقاء عقد مع شخصيات روسية قريبة من الرئيس فلاديمير بوتين، وإخفاء الكثير من اللقاءات والصفقات التجارية بين مستشارى ترامب وحلفاء للنظام الروسى فى أوكرانيا. ذلك بالإضافة لتحقيقات جارية فى محكمة جنوب مانهاتن وتتعلق بمخالفات فى تمويل حملة ترامب ومخالفات بحفلات التنصيب وغيرها من قضايا هامة.
***
وكشف استطلاع للرأى أجرته جامعة كوينيبياك عقب انتهاء تحقيق روبرت مولر أن 84% من الأمريكيين يريدون رفع السرية عن تقرير مولر ونشره، فى حين يرفض فقط 9% منهم ذلك. فى الوقت نفسه عبر 54% من الأمريكيين ثقتهم فى تحقيق مولر وكفاءته ونزاهته، فى حين عبر 26% عن شكوكهم فى التقرير ونزاهته. لكن هل يستطيع الكونجرس إرغام وزير العدل على نشر التقرير؟ الإجابة البسيطة هى: لا. إلا أن الموقف أكثر تعقيدا من ذلك. الكونجرس منقسم بين مجلس نواب تسيطر علية أغلبية ديمقراطية بما يقترب من نسبة 54% من الأصوات وهى نفس النسبة التى يسيطر بها الجمهوريين على مجلس الشيوخ. وفى ظل انقسام الكونجرس يكون للسلطة التشريعية حدود للضغط.
***
يريد الديمقراطيون نشر التقرير كاملا أمام الشعب، أو على أقل تقدير إطلاع أعضاء الكونجرس عليه كاملا. ولا يعترض الجمهوريون بصفة مبدئية على نشر التقرير، ويوافقهم الرئيس ترامب فى هذه الموقف، إلا أنهم يريدون منح وزير العدل السلطة والوقت الكافيين لتقدير ما يمكن ومتى يتم نشره. ولا يعرف بعد متى ستقرر وزارة العدل نشر كل أو أجزاء من التقرير حيث إنها ستحجب بعض الأجزاء نظرا لأن القضاء ينظر فى بعض الاتهامات وقضايا نتجت من تفاصيل ما يحتويه التقرير، ويعد من غير القانونى كشفها مع استمرار النظر فى هذه القضايا أمام القضاء.
وتستطيع الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب فقط استدعاء وزير العدل وليام بار أو المحقق روبرت مولر للظهور أمام لجان الاستخبارات واللجنة القضائية. إلا أنها لا تستطيع إرغام الوزير على نشر التقرير. الوزير فقط هو من له صلاحيات تحديد الخطوة التالية ومداها وتوقيتها فيما يتعلق بمستقبل تقرير مولر.
***
فى النهاية تبقى هناك بعض النقاط الختامية الهامة.
أولا: أن فكرة إقصاء الكونجرس للرئيس ترامب أصبحت شيئا من الماضى. وقد أكدت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسى بيلوسى قبل نشر خلاصة التقرير على عدم حماسها لفكرة إقصاء الكونجرس للرئيس «إلا فى حالة وجود مخالفات وانتهاكات تدفع لدعم الجمهوريين لبدء إجراءات عزل الرئيس». وبعد نشر خلاصة تقرير مولر أصبح من المستحيل تخيل بدء إجراءات خلع الرئيس.
ثانيا: إن صدور التقرير لا ينهى التحقيقات حول ترامب، فقد أكد رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب استمرار لجنته فى التحقيق فى نطاق مكافحة التجسس والتدخل الروسى فى الانتخابات. كما لم تتوقف دائرة جنوب مانهاتن بمدنية نيويورك تحقيقاتها فى مخالفات تمويل حملة ترامب وحفلة تنصيبه رئيسا، ومخالفات إدارة مؤسسة ترامب وشركاته. ثالثا على الديمقراطيين معرفة أى نقاط يمكن استخدامها ضد الرئيس ترامب خاصة مع بدء السباق التمهيدى لمعركة انتخابات 2020 داخل الحزب الديمقراطى. ثالثا: يرى الكثير من خبراء الشأن الأمريكى بواشنطن أن استمرار استهلاك الحزب الديمقراطى لتقرير مولر قد ينتهى بهم لمصير لا يرغبون فيه خلال سباق انتخابات الرئاسية العام المقبل 2020 التى زادت حظوظ ترامب للفوز بها عقب انتهاء تحقيقات مولر عند هذا الحد.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن.
الاقتباس
يريد الديمقراطيون نشر التقرير كاملا أمام الشعب، أو على أقل تقدير إطلاع أعضاء الكونجرس عليه كاملا. ولا يعترض الجمهوريون بصفة مبدئية على نشر التقرير، ويوافقهم الرئيس ترامب فى هذه الموقف، إلا أنهم يريدون منح وزير العدل السلطة والوقت الكافيين لتقدير ما يمكن ومتى يتم نشره.