هل صحيح أن مصر سوف تستغنى تماما عن الدولار فى اليوم الأول من العام الجديد أى بعد نحو ٤ شهور فقط، وأن الدولار لن يبقى له قيمة تذكر بعد هذا التاريخ؟.
أطرح هذا السؤال لأن هناك بعض المواطنين المصريين يعتقدون ذلك، ووصل الأمر إلى حد أن هذا البعض نصح «كل من يملك دولارا أن يتخلص منه، لأنه سوف يصبح بلا قيمة».
هؤلاء يرجعون توقعاتهم إلى أن مجموعة بريكس قررت يوم الخميس الماضى قبول عضوية مصر ابتداء من الأول من يناير المقبل مع ٥ دول أخرى هى السعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، وبالتالى ستكبر المجموعة لتصبح ١١ دولة علما بأن الدول المؤسسة للمجموعة عام ٢٠٠٨ هى الصين وروسيا والبرازيل والهند، ثم انضمت إليهم جنوب إفريقيا عام ٢٠١٠.
مرة أخرى وليست أخيرة انضمام مصر للبريكس هو خطوة مهمة جدا، وستكون لها مزايا كثيرة للاقتصاد المصرى إذا أحسنا استغلالها، ثم إن هذا الانضمام دليل على أن اقتصادنا رعم كل ازماته قوى وليس هشا كما يعتقد البعض، وهو اقتصاد متنوع جدا قياسا باقتصادات أخرى فى المنطقة، ورغم كل ذلك فإن التخلص النهائى أو الجزئى من الدولار سواء بالنسبة لمصر أو لبقية مجموعة البريكس لن يتم بين يوم وليلة، بل يحتاج جهودا متعددة وكثيرة حتى يتحقق.
شخصيا أتمنى أن نتمكن نحن فى مصر وفى العالم الثالث كله من إقامة نظام اقتصادى عالمى جديد أكثر عدلا، بدلا من الحالى الذى يعطى دولة واحدة هى الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية مزايا متنوعة فقط لأن العملة الأمريكية صارت هى عملة التبادل التجارية الدولية، بديلا عن الذهب منذ أوائل السبعينيات.
الهدف مما تفعله مصر أو أى دولة فى البريكس أو حتى ربما فى العديد من دول العالم هو تعزيز القدرة على استخدام آليات للفكاك من السيطرة التامة للعملات الصعبة.
لكن الرغبات والتمنيات شىء والواقع شىء آخر، وبالتالى يجب أن نكون على بينة ووضوح كاملين من هذا الواقع، حتى لا نغرق نحن وغيرنا فى الأحلام وأحيانا الأوهام.
بالطبع هناك إمكانية كبرى لتوسيع التجارة المصرية مع أى دولة تقبل أن يكون التعامل بالعملة المحلية. وبالتالى فإن البريكس قد يخفف الاعتماد على الدولار بطريقة متدرجة حسب رغبة وقدرة الدول الأعضاء، لكن ذلك لن يتم فورا والسبب أنه مصر مثلا يمكنها أن تتعامل مع البريكس بالعملة المحلية،ن لكن تعاملها مع بقية دول العالم التى تتعامل بالدولار سوف يظل كذلك، وكذلك سداد الديون الاجنبية التى تزيد على 165 مليار دولار. ومعلوم أن الدولار يشكل نحو ٥٩٪ إلى ٦٠٪ من حجم التجارة الدولية.
خبراء كثيرون يقولون إن التخلص من الدولار أو حتى تعطيل هيمنته سيحتاج وقتا طويلا لأسباب متعددة بل إن دول البريكس نفسها تحتاج إلى الدولار فى التعامل مع المجتمع الخارجى. وإلى أن يتراجع دور الدولار كعملة تبادل واحتياط فى التجارة الدولية، فإنه سيظل عملة أساسية، إضافة إلى أن منتجات الديون الأمريكية تتمتع بسيولة وعمق فى أسواقها المالية، وبالتالى هى عملة صعبة الاستبدال فى أى وقت كبير حسب رأى العديد من الخبراء.
ورغم ذلك فهناك فرص كثيرة أمام مصر لتطوير تعاملها بالعملات المحلية سواء مع مجموعة البريكس أو مع أى دولة تقبل ذلك وقد قرأت للباحث والمحلل محمد اليمانى أن مصر بدأت نظام المقايضة مع الاتحاد السوفييتى عام ١٩٤٨، وهو النظام الذى يطلق عليه البعض «التجارة المضادة»، وقد توسعت فى ذلك خلال عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، بسبب ضعف إيراداتها من الدولار.
وقد لا يدرك الكثيرون أن مصر تشترى القمح من الهند ورومانيا بنظام المقايضة، ومن روسيا بالروبل، ولديها نموذج تبادل للعملات مع الصين بما قيمته ٢٫٦ مليار دولار وتسعى لنظام الصفقات المتكافئة مع دول إفريقية أخرى.
أظن أن المفتاح الأساسى فى هذا الأمر هو قدرة أى دولة على زيادة الإنتاج والصادرات، وبالتالى فإن التفكير المنطقى هو أن نحسن من إنتاجنا وصادراتنا ونقلل من وارداتنا واستهلاكنا، وأن نستغل موقعنا الجغرافى وعلاقاتنا الإقليمية والدولية المختلفة لزيازة متانة اقتصادنا، بدلا من الاعتماد على زيادة القروض بديلا لزيادة الاستثمارات وتعميق الصناعة المحلية وتوطينها.
حينما يحدث كل ذلك فإن اقتصادنا سينمو وينهض أفضل ولن نضطر للاستدانة كثيرا، وبالتالى سيقل اعتمادنا على الدولار أو أى عملة أجنبية أخرى صعبة كانت أو سهلة!