فى «الشارقة للراوى».. المجد للثقافة - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأحد 15 ديسمبر 2024 5:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى «الشارقة للراوى».. المجد للثقافة

نشر فى : الجمعة 29 سبتمبر 2017 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 29 سبتمبر 2017 - 9:25 م
أسبوع بكامله قضيته فى رحاب إمارة الشارقة بدولة الإمارات الشقيقة، تلبية لدعوة كريمة تلقيتها من معهد الشارقة للتراث برئاسة الأخ الدكتور عبدالعزيز المسلم، لحضور فعاليات النسخة الـ 17 من ملتقى الشارقة الدولى للراوى (السير والملاحم).

لم يعد جديدا إعلان ما تسجله الشارقة من أثر جميل وعميق فى نفوس زائريها، فهى نموذج للمدينة العربية المعاصرة بكل ما تعنيه الكلمة؛ عربية الأصل والروح والمزاج، عصرية الطابع والأداء والإنجاز. فى أقل من عقد صارت الشارقة دون جدال أبرز عاصمة ثقافية «حقيقية»، ليس فقط فى محيطها العربى بل فى العالم كله.

ما تشهده الشارقة فعلا «مذهل»، فى أقل من عشر سنوات وفى إيقاع متسارع غاية التسارع تحولت إلى خلية نحل حضارية، بؤرة مشعة متوهجة يتخطى أثر نورها دول الجوار ومحيطها العربى والإقليمى ليصل إلى العالم أجمع. ما شهدته بعينى، فى هذه التظاهرة الأخيرة احتفاء بالسير والملاحم، واحتفاء بكنوز التراث البشرى، وتكريم الرواة والحكواتيين، وإحياء تقاليد وموروثات ثقافية أصيلة كادت تندثر تحت وطأة ضربات الإهمال والنسيان والإحباط واضطرابات عالم مرتبك ومتوتر، أقول إن ما شهدته بعينى فى هذه التظاهرة يؤكد ما كتبته سابقا وأشرت إليه فى حينه، حينما رصدت فعاليات أيام الشارقة التراثية فى أبريل الماضى:

«لقد صارت الشارقة، ودون أى مبالغة، الحاضنة الثقافية العربية التى تزدهى أيامها ولياليها على مدار العام وتحفل مدنها وأحياؤها، من أقصاها إلى أقصاها ومن أدناها إلى أدناها، بكل ما يؤكد الأصالة العربية ويحتفى بمكوناتها وعناصرها المشكِلة لخصوصيتها. كما وفى ذات الوقت، ترحب بالجديد العصرى وبكل ما يخدم ويرسخ هذا التوجه التنموى المتسارع والنزوع النهضوى الحقيقى، فى تمازج يحقق المعادلة الصعبة: لا نهوض بلا هوية، ولا تقدم بلا انفتاح، ولا منافسة إلا بالأخذ بالأسباب، وامتلاك الوعى الحقيقى والطموح المشروع، والرؤية العامة الشاملة القادرة على تجسيد هذا الطموح.. وهذا ما فعلته، وتفعله بدأب ووعى، الشارقةُ الحاضرةُ الثقافية التنويرية الأكبر عربيا وإسلاميا وضمن الأهم دوليا الآن، بلا خلاف».

فى الأيام الثلاثة التى شهدت ملتقى الراوى الدولى الـ 17، أنت أمام أصدق وأجمل تجمع إنسانى حقيقى دون مبالغة، وفود ممثلة لكل دول العالم تقريبا، من آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، الدول العربية من المحيط إلى الخليج، ومن قرغيزستان فى أدنى شرق آسيا والصين إلى إسبانيا فى أقصى الطرف الجنوبى الغربى من أوروبا وصولا إلى دول أمريكا اللاتينية.. ستجد أمامك الباحثين والدارسين للتراث الشعبى، وستجد الرواة والحكواتيين وحاملى التراث الثقافى، من كل الجنسيات والألوان والثقافات، تظاهرة مبهجة وحقيقية وتجسيد حى لكلمات الشاعر المصرى الراحل عبدالرحيم منصور التى تغنى بها الفنان محمد منير فى فيلم «حدوتة مصرية» للراحل يوسف شاهين:

قابلت فى الطريق عيون كتير بريئة
أعرف بشر عرفونى
قِبلونى وقِبلتهم
لا يهمنى اسمك.. لا يهمنى عنوانك
لا يهمنى لونك
يهمنى الإنسان.. ولو مالوش عنوان
فى كل ليلة من ليالى ملتقى الراوى، مثلما كانت أيام الشارقة التراثية، ستجد مجموعات من المثقفين العرب والأجانب، كتاب ونقاد وفنانين، من كل الدنيا.. تتحول جلساتهم ببساطة ويسر إلى حلقات نقاش حقيقية ومجالس سمر ثقافى رفيعة المستوى؛ كأنها واحدة من المجالس العامرة التى سجلها أبوحيان التوحيدى فى كتابه «الإمتاع والمؤانسة»..

إن النشاط الباهر الذى يقوده حاكم الشارقة بنفسه، وبدعم كامل منه، ومتابعة دقيقة تكاد تكون لحظة بلحظة لكل فعالية كبرى فى الشارقة على مدار العام بأكمله، كل هذا بدأ يؤتى ثماره الحلوة النقية الخالصة، نجحت الشارقة بامتياز فى أن تتجاوز الجمال الظاهر للشكل الخارجى لفعالياتنا الثقافية فى العالم العربى إلى الجمال الأبقى وهو التأثير المباشر والأثر بعيد المدى الذى ظهر فعلا وسيتجدد ظهوره كل عشر سنوات لدى كل طفل عربى حضر هذه الفعاليات وتشبع بها وعمره خمس سنوات فقط.
ستبقى أيام وليالى الشارقة، ونشاطها الثقافى الباهر فى الوجدان ما بقيت الروح، وستظل حاضرة غنية متوهجة ما بقيت الذاكرة.. هناك أمل كبير ومستقبل واعد رغم كل شىء.
وللحديث بقية..