نشرت جريدة القدس الفلسطينية مقالا للكاتب إسحق البديرى، تناول فيه دور «الجورنالجى» محمد حسنين هيكل الهام لدعم القضية الفلسطينية وموقفه المعارض لتوقيع اتفاقية أوسلو 1993... نعرض من المقال ما يلى:ظننت أن الكتابة عن «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، فى الذكرى المئوية لمولده، عن تجربة حياته فى ميادين الصحافة والسياسة، وعن دوره فى الحياة العربية المعاصرة، لكننى سرعان ما اكتشفت وأنا المتابع والقارئ لكل مقالاته الشهيرة التى حملت عنوان «بصراحة» طوال سنوات النصف الثانى من القرن العشرين سواء من خلال صحيفة الأهرام أو من خلال صحف عربية وأجنبية وقد بلغت أكثر من ألف مقال، ثم القارئ لكل كتبه صفحة بعد صفحة وهى بالعشرات، ثم المتابع والمستمع والمشاهد لمعظم حواراته الإذاعية والتلفزيونية فى السنوات الخمس عشرة الأولى من القرن الواحد والعشرين، أكتشفت وأنا المتابع لكل هذا التراث الفكرى الهائل أن الكتابة عنه مسألة شائكة بل تكاد تكون صعبة.
خطر لى أن أكتب عن موقفه من الصراع العربى الإسرائيلى وتطوراته وحروبه منذ عهد الملكية مرورا بعهدى جمال عبدالناصر وأنور السادات وانتهاء بعهد حسنى مبارك بما فى ذلك زيارة السادات لإسرائيل واتفاقيات كامب ديفيد والمفاوضات العربية الإسرائيلية واتفاقية أوسلو وما بعدها.
أجل، إن مواقفه من قضية فلسطين ومتابعته لقضية الصراع العربى الإسرائيلى، تستحق أن تروى فى ذكراه المئوية، خصوصا أنه كان الصحفى المصرى الأبرز الذى ارتبط اسمه بأحداث فلسطين سنة 1948، ففى ربيع عام 1948 قبيل الحرب العربية الإسرائيلية الأولى سنة 1948 جاء كصحفى إلى فلسطين وتنقل ما بين عمان والقدس وغزة وبيت لحم والخليل، وقابل الملك عبدالله وقادة جيشه فى عمان، وتوجه هيكل من القدس إلى بيت لحم ومنها إلى الخليل والتقى مع القائد المصرى البكباشى أحمد عبدالعزيز قائد قوات المتطوعين المصريين فى مقره عند تخوم القدس الجنوبية قرب بيت لحم، وطاف مع هذه القوات ــ وكانت شبه نظامية دخلت إلى فلسطين قبل دخول الجيش المصرى إليها، وزار بعد ذلك مواقع الجيش المصرى المرابط فى جنوب فلسطين فى المجدل وعراق المنشية وعراق سويدان وغزة والفالوجة وكان وقتها يكتب من فلسطين سلسلة مقالاته المشهورة فى مجلة آخر ساعة المصرية تحت عنوان «النار فوق الأراضى المقدسة».
لعل أبرز أدواره فى القضية الفلسطينة بعد نكسة يونيو 1967 موقفه من المقاومة الفلسطينية وبالذات مع قيادة حركة فتح التاريخية، فقد كان هو الذى دشن أول لقاء بين جمال عبدالناصر وبين أول فدائى فلسطينى بعد أسابيع من نكسة يونيو 1967 هو الرائد خالد عبدالمجيد «الاسم الحركى أو الرائد فايز محمود حمدان» ابن جبل المكبر فى القدس الذى التقاه فى القاهرة وأخذه بسيارته لمقابلة الزعيم الراحل فى منزله، وكتب عن الشهيد خالد عبدالمجيد فى مقاله بصراحة بعنوان «عن الأمل والموت» المنشور فى صحيفة الأهرام بتاريخ 16 أغسطس 1968، وهو مقال يستحق القراءة، وتم ذلك اللقاء قبل أن يصطحب هيكل بنفسه مرة أخرى قادة فتح فى ذلك الوقت وهم ياسر عرفات وفاروق القدومى وصلاح خلف وخالد الحسن وهايل عبدالحميد للقاء جمال عبدالناصر وفى هذا الصدد قال هيكل: كان من حظى أننى قدمت الثورة الفلسطينية إلى الثورة المصرية، وصحبت ياسر عرفات وبعض رفاقه من قيادة فتح فى سيارتى إلى بيت جمال عبدالناصر لأول مرة يراهم فيها ويرونه، وكان هذا اللقاء نقطة تحول بعيدة المدى فى قوة المقاومة الفلسطينية وفى قيمة عملها وفى الحيز الذى احتلته من الساحة العربية. لقد حضرت كل اجتماع بغير استثناء، وشاركت فى كل حديث على تنوع ما طرح للبحث من موضوعات.. واستأذنت الرئيس عبدالناصر فى أن يصطحب معه ياسر عرفات بشكل سرى إلى موسكو لمقابلة القادة السوفيت حيث تم إقامة تعاون كبير فيما بعد بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الاتحاد السوفيتى.
بقى هيكل متابعا لحركة المقاومة الفلسطينية وناصحا لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية خلال مسيرتها المتواصلة فيما بعد، وفى عام 1988 طلب منه قادة منظمة التحرير الفلسطينية المشورة حين كان الضغط على المنظمة للقبول بالاعتراف بإسرائيل وللقبول بقرار مجلس الامن الدولى رقم 242، وبالفعل تقدم بإبداء الرأى والمشورة خلال اجتماع فى تونس ضم قادة من منظمة التحرير منهم ياسر عرفات وجورج حبش وابو اياد ونايف حواتمة وفاروق القدومى وآخرين حيث قال ما نصه: إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية مطلوبا منها أن تتعامل مباشرة وعلانية مع إسرائيل على أساس الاعتراف بها فإن الأساس الذى يمكن اعتماده هو قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأضاف أن منظمة التحرير الفلسطينية تستطيع الآن أن تقدم إلى الأمم المتحدة وإلى الولايات المتحدة اعترافها بقرار التقسيم قرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1947 وهو القرار الخاص بإنشاء دولتين عربية ويهودية، ثم تستطيع المنظمة إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة فى المنفى تطالب وتفاوض لتحقيق سيادة الشعب الفلسطينى فى وطنه فهذا القرار يعالج الفلسطينية برمتها أما المطالبة بالاعتراف بالقرار 242 الذى يتعلق فقط بالأراضى التى جرى احتلالها عام 1967 فهو أمر غير مطلوب، وأكد بأن الاعتراف المطلوب من المنظمة بإسرائيل الآن يستحسن أن يجرى تحت مظلة قرار التقسيم قبل أى مبدأ دولى آخر، وتابع هيكل فيما بعد مسار القضية الفلسطينية مستهجنا توقيع اتفاقية أوسلو سة 1993، وظل متابعا عن قرب لتطور القضية الفلسطينية التى كانت بالنسبة له قضية مركزية للأمن القومى المصرى وللأمن القومى العربى.
وبقى إلى آخر يوم فى حياته يقول إن الدفاع عن فلسطين هو دفاع عن الأمن القومى المصرى والأمن القومى العربى بصرف النظر عن الارتباط العضوى بين مصر وفلسطين البلدين اللذين ينتميان إلى أمة عربية واحدة.
وأقول فى الذكرى المئوية لميلاده لقد كنا أمام مفكر استراتيجى عربى من الطراز الأول فى مجال الأمن القومى العربى والمصرى يملك رؤية للواقع والمستقبل العربى قل نظيره.
النص الأصلى