نشرت جريدة الدستور الأردنية مقالا للكاتب «عريب الرنتاوى» وجاء فيه؛ فى لبنان، كما العراق، يقف الشعب فى عمومه فى مواجهة غير متكافئة مع «نظام المحاصصة الطائفية»... الحد الأقصى الذى تعرضه السلطة لا يلتقى أبدا مع الحد الأدنى من مطالب الجماهير الغاضبة... أزمة الثقة بالطبقة السياسية، تبدو عصية على التجسير، والوعود الإصلاحية التى تُطلق اليوم، كان يمكن أن تكون فعّالة قبل سنوات... أما الآن، فهى قليلة ومتأخرة.
فى لبنان كما العراق، تكتمل العناصر الموضوعية للثورة على النظام القائم... «أزمة فى القمة... وأزمة فى القاعدة»... الحكم ما عاد قادرا على الاستمرار استنادا لأدواته ووسائله القديمة... الطبقة الحاكمة أفلست وباتت عاجزة عن القيام بالحد الأدنى من واجباتها الدستورية... فساد النظام يسمم حاضر المواطنين ومستقبلهم على حد سواء، هذه هى الحقيقة الراسخة فى أذهان وعقول وضمائر ملايين المواطنين.
فى لبنان، كما العراق، لا يبدو أن «الشرط الذاتى» للثورة قد اكتمل... ملايين الشباب الذين أظهروا استعدادا هائلا للنضال والتضحية، لم ينتجوا بعد أطرهم القيادية، و«التنظيم» ما زال فى مراحله الأولى، والأهم أنهم ما زالوا بعيدين عن بلورة «برنامج عمل مشترك» لثورتهم... تلك مهمة صعبة فى كل مكان، بيد أنها أكثر صعوبة، بوجود أحزاب وميليشيات طائفية ومذهبية، تسبغ على قياداتها قدرا من «القداسة»، وتحيط نفسها بهالة استعلائية على الجماهير، تخلط الدينى بالدنيوى والدعوى بالسياسى.
فى لبنان، كما العراق، يحضر «العامل الإقليمى / الدولى» بقوة ساحقة إلى حد كبير: إيران، تركيا، إسرائيل، الولايات المتحدة والقوى الدولية... نظرية المؤامرة تحضر بقوة، وحرب الاتهامات المتبادلة تأخذ شكلا تكفيريا، تخوينيا وربما دمويا (فى العراق يبدو الميل أكثر دموية)... لا حدود لتدخل الأطراف الإقليمية والدولية، ولكل «مكون من المكونات» شبكة تحالفات خارجية تجعل مشروع الثورة أشد صعوبة.
فى لبنان، كما العراق، يبدو الإصلاح المتدرج متعذرا... نظام المحاصصة قادر على استئناف يومياته المعتادة، ما أن تضع الاحتجاجات أوزارها... وقادر على ابتلاع الإصلاحات وتفريغها من أى مضمون، بل وتحويلها إلى مكاسب لرموزه وكياناته، ما أن يُرفع سيف الضغوط المتأتية عن احتشاد الملايين فى الساحات والميادين والشوارع، وفى مختلف المدن.
فى لبنان، كما العراق، لم يعد للمؤسسة العسكرية، دور طاغٍ بعد أن فككتها العدوانات الخارجية والحروب الأهلية وأضعفت حضورها... فى البلدين، ثمة لاعبين «من غير الدول، أقوى من جيشى البلدين (الحشد فى العراق والحزب فى لبنان)... لا مكان للعسكريتارية، ولا فرصة لانقلاب الجيش على الطبقة السياسية... هذا ليس خيارا.
فى لبنان، كما العراق، تبدو الانتفاضة الشعبية، كما لو أنها ثورة على الإسلام السياسى فى طبعته الشيعية هذه المرة... حدثت ثورات وانقلابات مماثلة فى بلدان عربية أخرى، بيد أنها توجهت تارة ضد «حكم العسكر» وأخرى ضد «الإسلام السياسى السنّى»، وثالث ضد طرفى هذه «الثنائية القاتلة»... فى لبنان والعراق تبدو الصورة مختلفة كثيرا.
التغيير فى لبنان، كما العراق، لن يكون نتيجة لموجة ثورية واحدة، التغيير يأتى بنتيجة سلسلة من الانتفاضات المتعاقبة... التغيير يأتى بعد أن تنفضّ الجماهير عن أحزاب الطوائف والمذاهب وأمراء الحرب والميليشيات، وتنجح فى تشكيل أطرها الحزبية وتياراتها الجماهيرية، المدنية ــ الديمقراطية ــ العلمانية... كلا البلدين لا يمكن أن يُحكما بأحزاب دينية، وكلاهما بمسيس الحاجة لفصل الدين عن الدولة، وكلاهما بحاجة لنزع القداسة عمّا هو غير مقدس، أو يُراد له أن يكون كذلك، بقوة السلاح.