نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى، يقول فيه إننا على أعتاب عالم طاقة جديد، وذكر ما هى مؤشرات هذا العالم.. نعرض منه ما يلى.
تواجه صناعة الطاقة العالمية عوامل جديدة مهمة، بدأت تترك بصماتها على بروز عالم طاقة جديد. وتكمن أهم عوامل عالم الطاقة الجديد فى المؤشرات التالية:
أولا: النضوج التقنى لبدائل الطاقة المستدامة، وتزامنه مع شيوع الاهتمام الشعبى والحكومى بالتغيرات المناخية والبيئة النظيفة، لتقليص انبعاثات ثانى أكسيد الكربون. لقد أدى هذا التفاعل إلى تمكن تطوير إنتاج الطاقات المستدامة من الرياح والشمسية فى توليد الكهرباء بكلفة أقل من تكلفة الإنتاج التقليدى للكهرباء.
من الجدير بالذكر أنه قد تضاءل بالفعل استخدام المنتجات البترولية لتوليد الكهرباء منذ الربع الأخير للقرن العشرين. وقد بدأت أخيرا تزداد وتيرة التغيير هذه بتقليص الاعتماد على المنتجات البترولية فى توليد الكهرباء، والولوج نحو الطاقات المستدامة الصديقة للبيئة. وخير مثال على عملية التغيير هذه، هو الاهتمام باستعمال الغاز كوقود فى المحطات، والتطور التكنولوجى للطاقات المستدامة.
ومما وفر الزخم لهذه الحركة والتغييرات، هى التشريعات القانونية لكبرى المناطق الصناعية فى العالم لتشجيع تقليص انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، من جهة، وسرعة تقدم التطور التكنولوجى من ناحية أخرى. ومما يلفت النظر، ازدياد عدد مشروعات الطاقات المستدامة فى عديد من الدول المنتجة للبترول نفسها: النرويج والسعودية والإمارات، بالإضافة إلى عدد متزايد من دول العالم الثالث، بالذات المغرب. وهناك طبعا الاعتماد المتزايد لاستعمال الطاقات المستدامة فى الدول الصناعية، مثل الصين؛ حيث التخوف من التلوث البيئى فى المدن الكبرى، هذا ناهيك عن دول السوق الأوروبية التى أخذت المبادرة فى منع أى انبعاثات مضرة من الوقود بحلول عام 2035، وطبعا الولايات المتحدة التى ترددت خلال السنوات الأربع الماضية فى تشريع القوانين اللازمة لتقليص التلوث؛ بل وانسحبت من اتفاقية باريس للتغيير المناخى عام 2015.
وهناك طبعا متغيرات أخرى مهمة متوقعة فى السياسة الأمريكية فى حال فوز المرشح الديمقراطى بالرئاسة، كما تدل على ذلك مؤشرات الرأى العام؛ رغم ضرورة التريث للتأكد من صحتها، بعد إخفاقها فى توقع النتيجة الصحيحة قبل أربعة أعوام عندما فاز ترامب على هيلارى كلينتون بالرئاسة؛ وكانت مؤشرات الرأى العام قد توقعت العكس فى حينه.
لماذا الاهتمام بالدور المستقبلى للطاقات المستدامة فى قطاع إنتاج الكهرباء أو تحلية المياه؟ هذا فى الوقت الذى يتم فيه الاستهلاك الأكبر والأضخم للنفط فى وسائل المواصلات؛ إذ إن معظم الوقود الذى يتم حرقه الآن فى محطات الكهرباء هو الغاز. والسيارة الكهربائية أو الهجينة لا تزال فى بداية الطريق. والتغيير الأساسى فى صناعة النفط هو عند إحلال السيارة الكهربائية محل السيارة التقليدية بشكل واسع. ورغم أن تقنية إنتاج السيارة الكهربائية أصبحت متوافرة، وأن هذه السيارة متوافرة فى عديد من طرق العالم، فإن الأبحاث لا تزال قائمة على قدم وساق لتطوير التقنية، لكن لا تزال هناك عقبة توفير محطات الوقود والآلات الاحتياطية بشكل واسع ومنتشر فى عديد من الدول، الأمر الذى لا يزال ينتظر انتشار السيارة الكهربائية بشكل أوسع لكى يصبح من الممكن تنفيذه.
هناك فرق مهم فى الصناعة النفطية خلال هذه الفترة عن عقد السبعينيات؛ حيث الارتفاع المفاجئ والسريع فى سعر النفط، من بضعة دولارات تقل عن أصابع اليد الواحدة إلى عشرات الدولارات للبرميل فى نهاية عقد السبعينيات، فقد دلت المؤشرات فى أوائل السبعينيات على سرعة استنفاد الاحتياطى النفطى الأمريكى من جهة، وعلى استمرار زيادة الطلب العالمى على النفط، الأمر الذى حفز بعض أعضاء منظمة «أوبك» للدفع بزيادة الأسعار وحتى للمقاطعة أثناء حرب 1973. أما الآن، فالوضع يختلف، فالولايات المتحدة، بفضل اكتشاف النفط والغاز الصخرى قد انضمت إلى مجموعة أكثر ثلاث دول منتجة للنفط، كما أن الطلب على النفط فى تقلص مستمر، فقد كانت الزيادات الكبرى للطلب على النفط خلال عقد التسعينيات والعقد الأول من القرن الحالى، عندما كان استهلاك الصين يزداد بمعدلات سنوية قياسية بلغت نحو 8 فى المائة سنويا، أما الآن فقد تغير وتقلص الاستهلاك النفطى السنوى الصينى.
وعالميا، تأثر الطلب على النفط سلبا بجائحة «كورونا»، ومن غير الواضح حتى الآن مدى تأثير الجائحة على الطلب فى المديين المتوسط والبعيد؛ إذ من غير المعروف مدى تغير بعض التقاليد البشرية، مثل كثافة الإجازات وعقد المؤتمرات.
شكل اكتشاف النفط الصخرى معضلة لصناعة النفط العالمية، فاكتشاف هذا النفط الجديد هو فى أمريكا الشمالية، وبالذات فى الولايات المتحدة، أكبر سوق مستهلكة للنفط، والتى كانت سابقا أكبر سوق مستوردة للنفط والغاز فى العالم، كما أدى اكتشاف الكميات الضخمة من النفط والغاز الصخرى إلى اكتفاء الولايات المتحدة بإمداداتها الداخلية الجديدة، فأصبحت دولة مكتفية ذاتيا بالوقود.
وأدى تغيير ميزان العرض والطلب العالمى هذا، وتأثيره المتقلب على سعر النفط الخام، إلى عقد تحالف قوى بين السعودية وروسيا لقيادة مجموعة «أوبك+» المتكونة من نحو 24 دولة منتجة، لتحقيق استقرار الأسعار من خلال التأكد من توازن العرض والطلب باستمرار.
تضطر بعض الدول المنتجة خلال هذه الفترة إلى تقليص الإنتاج للالتزام بحصصها الإنتاجية، وتأتى هذه الظاهرة الجديدة بغلق الإنتاج فى وقت زيادة الإمدادات العالمية والمشكلات الداخلية والسياسية التى تواجهها هذه الدول، من نزاعات داخلية وفساد مستشرٍ وسوء إدارة البلاد، ومقاطعة وحصار على الصادرات النفطية، والاعتماد الواسع على النفط فى غياب تنويع اقتصادات البلاد (العراق، وإيران، وليبيا، ونيجيريا، وفنزويلا).
النص الأصلي