مصر للألومنيوم تدفع ضريبة التميز - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 2:33 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر للألومنيوم تدفع ضريبة التميز

نشر فى : الإثنين 29 نوفمبر 2021 - 8:35 م | آخر تحديث : الإثنين 29 نوفمبر 2021 - 8:35 م
تعرضنا فى المقال السابق إلى قرارى وزير التجارة والصناعة بوقف العمل بالقرارين الوزاريين 907 لسنة 2019 و168 لسنة 2021 والمتعلقين بفرض رسوم وقائية «نهائية» على بعض منتجات الصلب والألومنيوم. ولما كان المقام قد ضاق بالصناعتين وكان لصناعة الصلب النصيب الأكبر من المقال المشار إليه، فقد وعدت القارئ الكريم ببقية للحديث أفرد لها السطور التالية، محاولا إنصاف صناعة الألومنيوم التى عادة ما تغرد منفردة وسط صخب الكثير من المدرفلين والتجار والمستهلكين.
وإذا كانت صناعة الحديد والصلب فى مصر منقسمة بين نحو 80% من الإنتاج من نصيب أصحاب المصانع المتكاملة ونصف المتكاملة، التى لا تعتمد على استيراد عروق الصلب من الخارج، بينما 20% من الإنتاج المحلى من نصيب أصحاب المصانع التى تعتمد على درفلة العروق المستورد معظمها من الخارج. فإن مجمع مصر للألومنيوم بنجع حمادى يقف وحيدا خلف تصنيع منتجات الألومنيوم بكل أشكالها ومراحلها (الأولية والوسيطة والنهائية) اعتمادا على استيراد مادة الألومينا (والتى ليس لها وجود يذكر فى مصر)، فى حين تقوم سائر الصناعات المحلية العاملة فى مجال صناعة الألومنيوم على درفلة وتشكيل منتج مصر للألومنيوم ونظيره المستورد من الخارج، ولا يمكن إغفال ما لتلك الصناعات من قيمة مضافة للمستهلك النهائى، لكنها تظل بعيدة عن أى درجة من درجات التكامل التصنيعى التى تتميز بها مصر للألومنيوم بمصاهرها ومصانعها، بل وبمجتمعها النموذجى الذى يجعلها درة فى تاج صعيد مصر العظيم.
هنا يتضح أن تشكيل جماعات المصالح لحماية صناعة الألومنيوم يضع مصر للألومنيوم وحيدة فى كفة ويضع سائر الصناعات المرتبطة فى سلاسل الإمداد فى كفة أخرى، وكثيرا ما ترجح كفة الصناعات الأخرى إذا ما تعارضت مصالح الفئتين، نظرا لقدرتها على التكتل والاعتراض على الأسعار لدى صانع القرار. ومن الطبيعى أن تعمل كل فئة على حماية مصالحها، وأن يلجأ صناع منتجات الألومنيوم إلى الضغط على شركة مصر للألومنيوم لتخفيض أسعار منتجاتها باعتبارها المورد الأساسى وأحيانا الوحيد لمدخلاتهم الصناعية، أو إلى المطالبة بتحرير استيراد منتجات الألومنيوم من القيود التجارية، حتى ينافس المنتج المحلى لشركة مصر للألومنيوم، ويخفض من تكاليف إنتاجهم وبالتالى من أسعار منتجاتهم للمستهلك النهائى.
تلزم الإشارة هنا إلى أن أية حماية للصناعة يقصد منها تدليل المنتج المحلى إلى الأبد، أو مساعدته على الممارسة الاحتكارية وتحقيق هامش ربح مغالى فيه، أو حتى بغرض ستر عوراته الإنتاجية وإخفاقه فى تحقيق كفاءة الإنتاج والتوزيع... كل تلك الأشكال من الحماية ليست فقط ضارة بالمستهلك بل هى ضارة بحرية التجارة، ولا تساعد على تطوير الصناعة المحلية التى تنهض فقط فى ظل المنافسة الجادة والعادلة. لكن الحماية المقصودة والمرغوبة للصناعة الوطنية هى تلك التى يجب توفيرها لنوعين من الصناعات، إحداهما الصناعات الناشئة التى تخطو خطواتها الأولى فى مجال الإنتاج، ريثما تتمكن من الوقوف على قدميها وتنهض للمنافسة مع المنتج المستورد. والنوع الثانى والذى نحن بصدده هو الصناعات الراسخة التى تتمتع بالكفاءة فى الإنتاج، وتصدر منتجها إلى أسواق متقدمة تُعنى بالجودة، ولا تعانى من خلل فى هياكلها الصناعية أو المالية أو منظومة التكاليف... ولكنها تواجه ظروفا استثنائية محلية وعالمية تستلزم تدخل الدولة لحمايتها من الانهيار، ووقف نزيف خسائرها التى تحققها رغما عنها.
وقد استند القرار 168 لسنة 2021، الذى كانت غايته حماية صناعة الألومنيوم المحلية من أضرار التجارة الخارجية، إلى القانون رقم 161 لسنة 1998 بشأن حماية الاقتصاد القومى من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة فى التجارة الدولية، وقد صدر القرار من السيدة وزير التجارة والصناعة فى 12 /4 /2021 بفرض تدابير وقائية نهائية على الواردات من صنف منتجات الألومنيوم التى تشمل القوالب والسلندرات والسلك لمدة ثلاث سنوات بدءا من منتصف شهر إبريل 2021، وذلك بنسبة 16.5% من القيمة CIF بحد أدنى 333 دولارا للطن عن السنة الأولى، وبنسبة 13.5% من القيمة CIF بحد أدنى 271 دولارا للطن خلال السنة الثانية، وبنسبة 10.5% من القيمة CIF بحد أدنى 211 دولار للطن خلال السنة الثالثة وتم نشر القرار بالجريدة الرسمية للدولة.
•••
وإذا كان الإعلام قد احتفى بالقرار عند نشره فإن قليلا من الناس يعلمون الكواليس الخلفية لإصداره، والماراثون الذى خاضته مصر للألومنيوم للحصول على تلك الحماية المستحقة، ولذا فإننى أعرض فيما يلى لمحة من تلك الكواليس:

< واجهت شركة مصر للألومنيوم ركودا فى البيع المحلى بسبب إغراق السوق بمنتجات ألومنيوم مستوردة بأسعار رخيصة نسبيا، وذلك بسبب انخفاض تكلفة الإنتاج لدى المنتج الأجنبى الذى يحظى بأسعار رخيصة للكهرباء (المدخل الأهم فى صناعة الألومنيوم) والتى تعد مصاهر نجع حمادى الأعلى تكلفة فى الحصول عليها بين كل مصاهر العالم وفقا لتقارير وود ماكنزى الدولية.
< اتخذت الشركة عدة خطوات لمواجهة إغراق السوق المحلية بمنتجات ألومنيوم دول الخليج وفيتنام عن طريق العمل على تفعيل تنفيذ سياسة وقائية لحماية المنتج المصرى، وذلك بطلب فرض رسوم جمركية على الواردات من منتج الألومنيوم لمحاولة منع أو خفض إغراق السوق المحلية بمنتجات الألومنيوم من مصاهر تلك الدول. وبالفعل اتخذت عدة إجراءات بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة بداية من نوفمبر 2019 وحتى إبريل 2021.
< قدمت شركة مصر للألومنيوم شكوى لسلطة التحقيق (قطاع المعالجات التجارية بوزارة التجارة والصناعة) بتاريخ 29 /12 /2019 وتضررت فى شكواها من وجود زيادة فى الواردات من صنف منتجات الألومنيوم، ألحقت ضررا جسيما بالصناعة المحلية.
< بتاريخ 14 /4 /2020 وافقت الوزير على بدء إجراءات تحقيق وقاية ضد الزيادة فى الواردات من صنف منتجات الألومنيوم ونشر القرار فى الوقائع المصرية بتاريخ 16 /4 /2020.
< بتاريخ 22 /4 /2020 تم إخطار لجنة الوقاية بمنظمة التجارة العالمية ببدء التحقيق. وتلقت سلطة التحقيق تعليقات الأطراف المعنية على الشكوى (من المنتجين والمصدرين الأجانب والمستوردين ومستخدمى المنتج المعنى وحكومات الدول المصدرة) بعد الإعلان عن أنفسهم كأطراف معنية بالتحقيق، وكذا طلب حضور جلسة الاستماع العلنية.
< بتاريخ 6 /10 /2020 تم دعوة الأطراف المعنية لحضور جلسة الاستماع لتقديم وجهات نظرهم.
< خلال الفترة من 23 إلى 25 /11 /2020 قامت سلطة التحقيق بزيارة ميدانية لشركة مصر للألومنيوم للتحقق من صحة البيانات المقدمة منها.
< بتاريخ 8 /12 /2020 تم عقد جلسة المشاورات مع ممثلى عدد من الدول المصدرة ومكتب الأمانة الفنية لمكافحة الممارسات الضارة الدولية. وقد أوصت سلطة التحقيق بفرض الرسوم الوقائية على منتجات الألومنيوم، ما من شأنه أن يخدم المصلحة العامة لعدد من الأسباب أبرزها:
1 ــ مساهمة شركة مصر للألومنيوم فى تحقيق التنمية الاقتصادية بمصر منذ أكثر من أربعة عقود، من خلال خلق مجتمع عمرانى متكامل.
2 ــ مساهمة الشركة فى الدخل القومى متمثلة فى الضرائب والرسوم السلعية والرسوم على مكونات الإنتاج، بالإضافة إلى تأثيرها فى خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة تخدم أبناء المنطقة والمناطق المجاورة، بما يصب فى النهاية فى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية.
3 ــ خفض معدل الاستيراد لمنتجات الألومنيوم واستبدالها بالمنتجات المحلية بهدف الحفاظ على العملة الصعبة، مع تمكين المستهلك المحلى من الحصول على منتجات عالية الجودة تتماشى مع الاستراتيجية العامة للإصلاح الاقتصادى.
4 ــ تنظيم دخول الواردات يحقق منافسة عادلة ولا يكرس أية ممارسات احتكارية، حيث إن فرض مثل تلك الرسوم على المصانع والشركات التى تعتمد على المعدن الوارد من الخارج لن يمنعها من الاستيراد، لاسيما أن معادلة التسعير الخاصة بمنتجات الألومنيوم تخضع لمعايير دولية محددة أساسها بورصة لندن للمعادن.
وقد توصلت سلطة التحقيق إلى أن الزيادة الكبيرة فى الواردات تسببت بصورة مباشرة فى إلحاق الضرر الجسيم بالصناعة المحلية، وارتأت فرض الرسوم الوقائية التى صدرت بالقرار 168 لسنة 2021.
•••
إذن فقرار فرض رسوم وقائية كان قرارا مؤسسيا مرتكزا على حيثيات ومقدمات استهلكت الكثير من الجهود والوقت (من نوفمبر 2019 وحتى إبريل 2021)، أما قرار وقف العمل به فقد اتخذ سريعا وتحت ضغوط موجة تضخمية تلوح فى الأفق، لكنها تأتى مصحوبة بمخاوف «ركود تضخمى» يتطلب منا النظر إلى صعوبة ظروف التشغيل بالاقتصاد الوطنى، والتى تحمل الشركات الصناعية أعباءها، فضلا عن أعباء تحرير أسعار منتجات الطاقة وقبلها تحرير أسعار صرف النقد الأجنبى.
كذلك فكما سلفت الإشارة فى المقال السابق، هناك ضرورة ملحة للتنبؤ بالأثر الكلى لهذا النوع من القرارات على سائر مدخلات ومخرجات الاقتصاد الوطنى، من خلال بناء نموذج محدث للتوازن العام، واستعراض مختلف السيناريوهات عليه، خاصة أن التقلبات السريعة التى يشهدها الاقتصاد العالمى على خلفية جائحة كورونا تدعو إلى التروى فى توقع اتجاهات الأسواق. فبعد موجة الارتفاع الكبيرة فى أسعار الطاقة والتى قادت التضخم، تسببت المخاوف من متحور جديد لكورونا فى تراجع حاد بأسواق المال والنفط نهاية الأسبوع الماضى، الأمر الذى ربما يعود بموجة التضخم أدراجها أو يرجئها قليلا، تاركا الصناعة الوطنية عرضة لموجات من نقص الطلب وتراجع الأسعار.
ولا يصح أن ننظر إلى حال الصناعة الوطنية أثناء دورات الصعود فقط التى تأتى بعد انتظار طويل وتحمل لدورات من الخسائر، فتلك الدورات الصاعدة تساعد على إقفال مراكز خاسرة وسداد التزامات متراكمة، وكما تأخر قرار الحماية أثناء الخسائر، فعلى صانع القرار أن يتروى ويمهد لقرار رفع الحماية عند دورة التصحيح القصيرة التى لم تمتد إلا بضعة أشهر من أصل ثلاث سنوات كان من المفترض أن تمتد فيها الحماية! هذا إذا أردنا صناعة وطنية قادرة على الثبات أمام تحديات المنافسة العالمية.
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات