المغطس العراقى - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 7:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغطس العراقى

نشر فى : الخميس 30 أغسطس 2018 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 30 أغسطس 2018 - 9:10 م

أثار تصريح رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى بشأن موقف العراق من العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة على إيران، موجة واسعة من ردود الفعل الإيرانية الحادة. وعلى الرغم من أن العبادى كان حذرا ومُحترسا إلى درجة كبيرة، بقوله: «من حيث المبدأ نحن ضد العقوبات فى المنطقة (ويُفهم من كلامه أن الأمر يشمل تركيا أيضا)... لكننا سنلتزم بها لحماية مصالح شعبنا».
ومع أن تصريح العبادى يندرج فى خانة «النأى بالنفس»، لكن هناك من استخدمه ذريعة ليطالب العراق بدفع تعويضات عن الأضرار التى لحقت بإيران بسبب الحرب العراقية ــ الإيرانية، وحرب الخليج الثانية بعد غزو الكويت، وهى تقدر بمليارات الدولارات، كما ذهبت إلى ذلك معصومة ابتكار نائبة الرئيس الإيرانى.
أما مجتبى الحسينى، ممثل المرشد الإيرانى على خامنئى، الذى يقيم فى النجف منذ العام 2015، فقد ندد بموقف العبادى، واصفا تصريحاته بأنها «لا مسئولة» «ولا تنسجم مع الوفاء للمواقف المشرفة للجمهورية الإسلامية الإيرانية»، بل اعتبر موقفه تعبيرا عن «انهزامه النفسى تجاه أمريكا التى ينخرط معها، ويخضع لها فى مؤامراتها على جارة العراق، إيران!».
وقد درج بعض رجال الدين الإيرانيين المقيمين فى العراق ــ وهم «أجانب» بالطبع، حسب القانون الدولى ــ على التدخل على هذا النحو السافر بالشأن السياسى العراقى الداخلى منذ الاحتلال الأمريكى للعراق العام 2003. كل ذلك يحصل دون ردود فعل رسمية من جانب بغداد، سواء إزاء هذه التدخلات التى تخص صميم السلطان الداخلى أو إزاء المطالبات غير المشروعة بالتعويضات من جانب مسئولين إيرانيين.
وإذا كانت العقوبات ضد أى شعب مسألة لا إنسانية بغض النظر عن تصرفات حكامه، فلماذا كان الحصار المفروض على الشعب العراقى «محمودا» فى حين أن الحصار على الشعب الإيرانى «مذموم»؟ ونستطيع القول بثقة أيا كانت أسباب الحصار والعقوبات على الشعوب، فإنها لا تلحق الضرر بالأنظمة بقدر ما تفعل فعلها المميت فى الشعوب، ولم يحدثنا التاريخ أن حاكما زهقت روحه بسبب الجوع، لكن الحصار بلا أدنى شك عرض شعوبا للمجاعة، وأودى بحياة الآلاف والملايين من السكان المدنيين الأبرياء، وحدث خلال الحصار المفروض على العراق وفاة مليون و650 ألفا من العراقيين، ولهذا فالموقف المبدئى وخارج سياسات الكيل بمكيالين، أو الموقف ذو الطبيعة الازدواجية كان ولا يزال وسيبقى هو ضد فرض العقوبات على شعب بكامله بسبب سياسات حكامه.
ونلاحظ حتى اليوم التشوهات التى خلقتها إجراءات الحصار والعقوبات على المجتمع العراقى وعلى الشخصية العراقية، بما فيها الميل إلى العنف باستخداماته المختلفة تحت مبررات ومزاعم شتى، تارة طائفية أو مذهبية وأخرى إثنية، وثالثة بزعم الدفاع عن الهوية والدين وغير ذلك.
لقد بلغت القرارات الدولية المفروضة على العراق بعد غزو الكويت فى 2 أغسطس 1990 وبعد حرب قوات التحالف الدولى ضده فى 17 يناير 1991 نحو 75 قرارا، بما فيها القرارات التى صدرت بعد الاحتلال العام 2003، ولا يزال العراق حتى الآن يئن منها، بما فيها دفع التعويضات، ولذلك فإن موقف العبادى وغيره من الأطراف السياسية التى تتحفظ على العقوبات على إيران وتركيا، حتى وإنْ كانت قراءاتها السابقة مخطئة ومتأخرة، إلا أنه يمكن النظر إليها اليوم من زاويتين: الأولى ــ لسبب مبدئى أساسه إن الحصار ضد الشعوب وليس ضد الحكام، والثانية ــ عدم توريط العراق بما لا طاقة له على تحمله أعباء جديدة فوق ما عليه من أعباء، فضلا عن ذلك، فالعراق لا يزال مكبلا باتفاقية «الإطار الاستراتيجى» مع الولايات المتحدة التى تفرض عليه التزامات سياسية واقتصادية وعسكرية وأمنية وغيرها، فقد حاول العبادى مراعاة ذلك وعدم الدخول فى مجابهة غير متكافئة مع واشنطن، دون أن يعنى الانخراط فى مشروعها بشأن فرض العقوبات على المنطقة.
ولم تكن المواقف الإيرانية ضد تصريحات العبادى فحسب، بل إن بعض القوى العراقية لا تقل نقدا لها، حيث هددت بمهاجمة المصالح الأمريكية، إذا ما تمادت واشنطن فى تطبيق الحصار على إيران. ولعل ذلك يثير تساؤلات جديدة حول مستقبل الدولة العراقية وما وصلته من حالة انشطار وتمزق وتشظٍ. فهل المفروض تبنى الموقف الإيرانى برفض الحصار، وهو موقف لا يقوى عليه العراق، أم اعتماد الموقف الأمريكى فى تنفيذ فرض العقوبات على طهران، وهو موقف لا إنسانى قد لا يستطيع العبادى أو غيره المضى فيه دون دفع ثمن باهظ؟
ولعل هذا الأمر يعيدنا إلى أطروحة «القرار العراقى المستقل» التى يكثر الحديث عنها دون القدرة على تحقيقها، خصوصا والبلد مجروح السيادة ومنقسم ويعانى إرهابا وعنفا وطائفية ومحاصصة وفسادا ماليا وإداريا، ولا يزال مرتهنا، بما فيه تشكيل الحكومة الجديدة لإشارة من بريت ماكفورك الدبلوماسى الأمريكى، وإيعاز من قاسم سليمانى قائد فيلق القدس، عرابى الطبخة الجديدة. فمتى سيخرج العراق من المغطس؟

عبدالحسين شعبان
الخليج ــ الإمارات

التعليقات